ليس لدي شكوك كبيرة حول إمكانية انعقاد حوار بين نظام الملالي الإيراني وإدارة الرئيس ترامب رغم الزوبعة التي يثيرها الملالي برفضهم المتكرر لأي حوار مع الولايات المتحدة، ورغم الشعارات الجوفاء التي يرفعها القادة في طهران.
ومن يلاحظ مايحدث داخل إيران يجد أن هناك لعبة تبادل أدوار يجيدها بحرفية شديدة الملالي، تمارس على نطاق واسع في الأيام الأخيرة، فنجد الحديث عن حوار مشروط مع الولايات المتحدة يأتي على لسان بعض المسؤولين السياسيين وفي مقدمتهم الرئيس روحاني، ثم نجد الرفض والتعنت ى لسان قادة التيار الذي يوصف بالمتشدد في الساحة السياسية الإيرانية وقيادات الحرس الثوري الإيراني، الأكثر تضرراً من العقوبات الأمريكية، ولاسيما تلك الخاصة بقطاع البتروكيماويات وشركاته التابعة للحرس الثوري.
هذه اللعبة الإيرانية التي تخدع بعض المحللين فيبادروا إلى القول بأن هناك خلافات داخل النظام الإيراني حول أسلوب التعاطي مع الضغوط الأمريكية، رغم أن ما يحسن فهم ديناميات السياسة الإيرانية يدرك تماماً أنها بشكل مطلق تتمركز بيد المرشد الأعلى علي خامنئي، فهو من يوزع الأدوار ويكلف الشخصيات بها، في مراوحة بين التهدئة والتصعيد، وهذه اللعبة تهدف بالأساس لرفع سقف المطالب الإيرانية التي ينقلها المبعوثون الدوليون الذين يتوافدون في المرحلة الراهنة على طهران، وآخرهم وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، الذي قام بزيارة لدولة الامارات اتبعها بزيارة لإيران، ويتوقع ان يقوم رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الذي يقوم بزيارة لإيران هذا الأسبوع في محاولة لتخفيف حدة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران والقيام بدور وساطة يتوقع الكثيرون أن تسفر عن نتائج في ظل علاقات الوسيط المتميزة بطرفي الأزمة.
اعتقادي الشخصي أن هناك تطور ما سيحدث في ملف الأزمة الإيرانية خلال الفترة المقبلة، وهناك شواهد عدة لذلك أولها دخول أطراف إقليمية ودولية عدة على خط الوساطة المباشرة وغير المباشرة، فإقليمياً هناك العراق، الذي يمتلك مصلحة مؤكدة في تخفيف حدة التوترات وتفادي حدوث مواجهة عسكرية بين إيران والولايات المتحدة، ومن ثم فهو ليس وسيطاً تقليدياً، أو لاعب سياسي يهدف إلى خطف الأضواء كما يفعل بعض المغامرين الإقليميين مثل قطر وغيرها، فالعراق يتعامل مع ملف الوساطة بأقصى جدية ممكنة، والأرجح أن القادة العراقيين قد بذلوا جهداً كبيراً في نقل وتبادل الرسائل بين طرفي الأزمة والتواصل مع الأطراف المعنية بالتهدئة مثل اليابان وألمانيا وغيرهما.
ولكن الأرجح أن وساطة العراق لها سقف ربما يتوقف عند حد نقل الرسائل واستكشاف النوايا، على أن تتواصل بعدها أدوار وساطة لأطراف دولية أخرى مثل اليابان، حيث لا يتوقع أن يغامر رئيس الوزراء الياباني بالقيام بزيارة استثنائية لإيران من دون الإمساك ببعض الدلائل على فرص النجاح ولو من خلال انهاء احتمالية نشوب صراع عسكري بين طرفي الأزمة.
في ظل هذه الأجواء التي اعتدناها في منطقة الخليج العربي منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، بسبب ممارسات النظام الإيراني وتعمده الإبقاء على أجواء التوتر والفوضى والاضطرابات في المنطقة، يبدو الموقف الخليجي والعربي هاماً للغاية.
إننا كعرب وخليجيون، نطالب بالضغط الدولي المكثف على إيران كي تتصرف كدولة مسؤولة وبشكل طبيعي وفقاً لمقتضيات القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة، ولكن الحقيقة أن هذه المطالب ليست كافية، فالمجتمع الدولي قد يضغط على إيران بالفعل، وقد يتم التوصل إلى صفقة ما كما حدث في الاتفاق النووي الذي وقعته مجموعة "5+1" برعاية إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما مع النظام الإيراني، في عام 2015، من دون مراعاة مصالح دول مجلس التعاون وأخذ مطالبها في الاعتبار، ومن ثم فإن نتائج هذه الضغوط ومخرجاتها لن تأتي كما نطمح وهذا أمر متوقع وربما يكون مؤكداً، بحكم قواعد اللعبة الحاكمة للعلاقات الدولية، التي يسعى كل طرف فيها إلى تحقيق سقف مطالبه ومصالحه الاستراتيجية بغض النظر عن مطالب ومصالح الآخرين.
صحيح ان هناك روابط وصيغ تحالف وشراكات استراتيجيات قائمة بين دول مجلس التعاون ومعظم الأطراف المعنية بالأزمة الإيرانية، والتي غالبا ما ستكون طرفاً في أي صفقة بشأن إيران، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة والدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، ولكن الواقع يشير إلى ضرورة أن تكون دول مجلس التعاون شريك أساسي في أي حوار أو نقاش دولي حول تسوية الأزمة القائمة مع إيران، باعتبار هذه الدول شريك جيواستراتيجي أساسي معني بالأزمة وطرف لا غنى عنه ولا وكيل في النقاش حول مطالبه ومصالحه الاستراتيجية.
ولهذا، حسناً فعل سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية حين أكد على ضرورة وجود دول المنطقة ضمن أي اتفاق مستقبلي مع إيران، بحيث تكون هذه الدول طرفاً في أي اتفاق، وقد أكد سموه ذلك خلال تصريحاته في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الألماني الذي زار أبوظبي مؤخراً، وأضاف سموخ "يجب أن يشمل أي اتفاق مع إيران بالإضافة إلى الملف النووي، وقف دعمها للإرهاب وبرامج الصواريخ البالستية"، وهذا أمر بديهي يجب أن تراعيه الدول الكبرى لأن الأزمة الراهنة اندلعت بسبب ثغرات وقصور الاتفاق الموقع عام 2015، والذي غابت عنه عناصر الشمولية والتكاملية في النقاش مع إيران، ومن ثم فقد خرج مبتوراً ومنح لإيران اليد الطولى في التوسع والتمدد استراتيجياً في المنطقة العربية.
تصوري، أن الموقف الاماراتي الرسمي هذا يجب ان يحظى بدعم خليجي وعربي عاجل من أجل الضغط على الأطراف الدولية تحسباً لبدء أي حوار مع إيران في المرحلة المقبلة.