يطرح التوتر المزمن بين الهند وباكستان، الجارتين النوويتين، تساؤلات مستمرة حول قدراتهما العسكرية الحقيقية في حال اندلاع مواجهة واسعة النطاق، وفي ظل التطورات التكنولوجية العسكرية المتسارعة والتحولات الجيوسياسية العالمية، لا سيما تأثير الصراع الروسي الأوكراني على سلاسل الإمداد العسكري، يصبح السؤال أكثر إلحاحًا: هل يمتلك أي من الطرفين القدرة على خوض حرب تقليدية مكثفة ومستدامة، لنقل لمدة ستة أشهر، وما هي حظوظ كل منهما في تدمير دفاعات الخصم وأصوله الحيوية، وإلى أي مدى يمكن التعويل على الدعم الخارجي لتعويض الخسائر في هذا السيناريو المعقد؟ إن التحليل الموضوعي لهذه الأبعاد يكشف عن واقع مركب يتجاوز مجرد تعداد الأسلحة.
ولكن، وفي تطور لافت، أتت الأنباء الأخيرة لتغير مسار التكهنات، حيث أشارت تصريحات للرئيس الأمريكي دونالد ترمب إلى نجاح وساطة أمريكية في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين الهند وباكستان. وقد شكر ترمب البلدين على ما وصفه بـ"الحس السليم والذكاء بعد اختيارهما إنهاء الأزمة"، هذا التطور، وإن كان يجنب المنطقة حاليًا ويلات صراع واسع، إلا أنه لا يلغي أهمية التحليل الموضوعي للقدرات الكامنة التي كانت تشكل خلفية هذا التوتر، والتي قد تعود للظهور في أي لحظة.
تشير البيانات المتوفرة إلى أن مسألة احتياطيات الذخيرة والعتاد تمثل نقطة حاسمة في تقييم قدرة أي دولة على خوض حرب ممتدة. بالنسبة للهند، سعت نيودلهي تاريخيًا للحفاظ على ما يعرف بـ"مخزونات الحرب الإستراتيجية" الكافية لفترة تتراوح بين 10 إلى 40 يومًا من القتال الشديد. وتشير التقارير الأحدث، خاصة منذ أواخر عام 2020، إلى جهود حثيثة لرفع هذا المستوى إلى 15 يومًا من القتال المكثف كحد أدنى، مع طموح للوصول إلى 40 يومًا على المدى الطويل، مدعومة بمبادرات لتعزيز الإنتاج المحلي ضمن برنامج "صنع في الهند". بناءً على هذه المعطيات، يمكن القول إن الهند، في أفضل الظروف وبدون إعادة إمداد كبيرة، قد تستطيع خوض حرب عالية الكثافة لمدة تتراوح بين أسبوعين إلى شهر ونيف بالاعتماد على مخزوناتها الحالية. هذا الواقع قد يكون أحد العوامل التي دفعت نحو قبول التهدئة، إدراكًا لتكاليف أي مواجهة.
في المقابل، يبدو الوضع في باكستان أكثر دقة وحرجًا، وفقًا لتقارير استخباراتية وتحليلات دفاعية حديثة للغاية، حيث تشير مصادر متعددة إلى أن احتياطيات باكستان من ذخائر المدفعية، وهي عصب أي حرب برية واسعة، قد لا تكفي لأكثر من أربعة أيام (96 ساعة) من القتال عالي الكثافة. هذا النقص الحاد، إذا صحت التقارير، يضاف إلى التحديات الاقتصادية التي تواجهها إسلام آباد، ويضع قيودًا هائلة على قدرتها على خوض حرب تقليدية مطولة. وتزداد الصورة قتامة مع ورود أنباء عن قيام باكستان بتصدير كميات من ذخائرها إلى أوكرانيا، مما قد يكون قد استنزف مخزوناتها المحدودة أصلا، هذه المحدودية ربما لعبت دورًا هامًا في استجابة إسلام آباد لجهود الوساطة.
أمام هذا الواقع، فإن الحديث عن صمود أي من الطرفين لمدة ستة أشهر بالاعتماد على المخزونات الأولية وحدها كان يبدو بعيدًا عن الواقع، فالهند، حتى مع طموحاتها الكبيرة، لا تزال بعيدة عن هذا الهدف، بينما تواجه باكستان تحديًا وجوديًا في هذا الصدد. إن حربًا بهذه المدة تتطلب بالضرورة قدرات إنتاج محلي هائلة وخطوط إمداد خارجية فعالة ومستمرة، وهو ما قد يكون الطرفان، أو أحدهما على الأقل، قد أدرك صعوبة تحقيقه في ظل الظروف الراهنة، مما عزز من فرص نجاح الوساطة.
إن تدمير كل معدات الدفاع الجوي والأصول العسكرية للطرف الآخر خلال ستة أشهر هو هدف غير واقعي إلى حد كبير، حيث يمتلك كلا البلدين قوات مسلحة كبيرة وترسانات ضخمة منتشرة على مساحات جغرافية واسعة، مما يجعل مهمة التدمير الشامل شبه مستحيلة وتتطلب تفوقًا ساحقًا ومستدامًا. ما يمكن توقعه بشكل أكثر واقعية هو حدوث تدهور كبير في قدرات الطرفين، مع استهداف المطارات، ومراكز القيادة والسيطرة، ومواقع الرادار، وبطاريات الصواريخ، والقواعد اللوجستية. الطرف الذي يمتلك قدرات استخباراتية ومراقبة واستطلاع أفضل، وأسلحة أكثر دقة، وتكتيكات حرب إلكترونية أكثر فعالية، وقدرة أكبر على تحمل الاستنزاف، هو الذي سيلحق خسائر أكبر بالخصم. وفي هذا السياق، قد تكون باكستان، بنقص ذخائرها المحتمل، أكثر عرضة لتدهور سريع في قدراتها الدفاعية إذا طال أمد الصراع دون دعم خارجي فعال.وبالتالي فإن هذا الإدراك للمخاطر المتبادلة قد يكون كذلك ساهم في قبول وقف إطلاق النار.
بلاشك فلا يمكن إغفال أن الردع النووي المتبادل يضع سقفًا لأي تصعيد تقليدي، حيث إن محاولة تدمير كل الأصول العسكرية للطرف الآخر قد يُنظر إليها على أنها تهديد وجودي قد يدفع نحو حافة الهاوية النووية، وهو ما تسعى القوى الكبرى، كالولايات المتحدة، لتجنبه عبر تدخلات دبلوماسية كما شهدنا.
تبرز الوساطة الأمريكية الأخيرة كعامل مهم في إدارة الأزمات بين الهند وباكستان، حيث إن تدخل قوة عظمى بحجم الولايات المتحدة، يعكس الاهتمام الدولي بمنع تفجر الأوضاع بين دولتين نوويتين. هذا التدخل قد يشير إلى عدة أمور: أولاً، إدراك واشنطن لخطورة أي تصعيد واسع النطاق وتأثيره على الاستقرار الإقليمي والعالمي. ثانيًا، قد يعكس رغبة في الحفاظ على نفوذ معين في المنطقة وقدرة على التأثير في قرارات الطرفين.
التطورات الأخيرة، المتمثلة في وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية، تؤكد أن "الحس السليم والذكاء" الذي أشار إليه الرئيس ترمب، ربما كان مدفوعًا بإدراك الطرفين لهذه الحقائق القاسية وللمخاطر الهائلة لأي مواجهة شاملة.