وسط تواتر الأنباء عن تفشي فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد ـ19) وانشغال العالم بهذا الحدث، تبرز أخبار توتر جديد بين البحريتين الأمريكية والايرانية في مياه الخليج العربية، ويتجدد الجدل والسجال التحليلي حول مآلات التصعيد الكلامي الذي بدأ بتعليمات أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 22 أبريل الماضي للقوات البحرية بتدمير "أي زوارق ايرانية تتحرش بسفن الولايات المتحدة".
وتذهب الكثير من التحليلات هذه المرة إلى أن الرئيس ترامب يريد الحرب هذه المرة، لأسباب واعتبارات عدة أهمها أن الظروف الصعبة التي تواجه الاقتصاد الأمريكي بسبب إجراءات الاغلاق المتعلقة بتفشي وباء "كورونا"، وتسببت في تداعيات كارثية عديدة، ما يجعل ترامب يتخلى عن نهجه الخاص بالرهان على العقوبات الصارمة التي يفرضها على النظام الايراني، ويسعى إلى إشعال حرب توحد الأمريكيين المنقسمين حول أمور وملفات عدة منها فاعلية سياسة الإدارة الحالية في مواجهة أزمة "كورونا"، فضلًا عن استعادة هيبة الولايات المتحدة عالميًا بعد اعتزاز صورتها جراء التفشي المروع للوباء بين سكانها، ومقارنتها بالصين، فضلًا عن انهيار أسعار النفط الصخري، أي أنه يحتاج إلى حرب لصرف الأنظار عن معضلات الداخل الأمريكي.
نظام الملالي الايراني ربما يحتاج إلى هذه الحرب على الجانب الآخر، فقد تفاقم مأزق النظام بسبب وباء "كورونا" وازدادات الأوضاع الداخلية صعوبة، بحيث بات النظام يواجه مصيرًا صعبًا في حال استمرار الظروف الراهنة، وربما يبدو سيناريو الحرب نقطة الضوء الوحيدة في نهاية النفق بالنسبة له، كي يخرج من هذا المأزق ويصرف الأنظار عن الأوضاع الصعبة التي يعانيها الايرانيين، وهذا مايفسر المناورات التي أجراها الحرس الثوري في الآونة الأخيرة، والتي تحرشت خلالها زوارق إيراني بالسفن الأمريكية واقتربت منها بدرجة تنذر باندلاع صدام عسكري بحري، كما أطلقت قمرًا صناعيًا عسكريًا يعتقد أنه مخصص للتجسس على القوات الأمريكية في دول عدة بمنطقة الشرق الأوسط.
المؤكد أن الرئيس ترامب كان يراهن على عوامل عدة لترجيح كفته في السباق الانتخابي الرئاسي المقرر في نوفمبر المقبل، ولكن معظم هذه الرهانات قد تبددت وأصبح موقفه التنافسي صعب في مواجهة جو بايدن المرشح المحتمل للحزب الديمقراطي الأمريكي، ولكن المؤكد أيضًا أن الحرب قد تزيد موقف ترامب تعقيدًا وصعوبة، فهو يدرك تمامًا أن الكونجرس لن يوافق على تمويل حرب ضد إيران في هذه الظروف الداخلية الصعبة، كما يدرك أن حسم هذه الحرب قبل الاستحقاق الانتخابي مسألة مشكوك في تحققها، وأن الذهنية الانتحارية التي تغلب على القادة الايرانيين قد تتسبب في فاتورة خسائر بشرية كبيرة للقوات الأمريكية المتمركزة في نقاط عدة تقع في مدى الاستهداف العسكري الإيراني.
الخلاصة أن التفكير الايراني ـ الأمريكي في مسألة الحرب في الظروف الراهنة مسألة واردة، ولكن أهداف الجانبين من هذا السيناريو متباينة؛ فالإدارة الأمريكية ربما تسعى إلى مواجهة مشرطية خاطفة من خلال ضربة عسكرية سريعة، تسهم في رفع أسهم الرئيس ترامب شعبيًا وتعزز موقفه انتخابيًا، وتجعل الناخب الأمريكي يحسم قراره بالتصويت للرئيس ترامب وتفادي التغيير في ظل أجواء الصراع التي يمكن أن تطغى على مشهد العلاقات الخارجية الأمريكية، ولكن الملالي لن يوفروا الفرصة بسهولة للوصول إلى هذا السيناريو، فكلا الطرفين يجيدان قراءة بعضهما البعض جيدًا بحكم امتداد أمد التوتر والصراع منذ سنوات طويلة، كما يدركان حدود القوة التي يتمتع بها كل طرف، ورغم الفارق الهائل والخلل الكبير في موازين القوى الاستراتيجية بين الجانبين لمصلحة الولايات المتحدة، فإن من المجازفة أن يقرر البيت الأبيض خوض صراع عسكري، ولو محدود، في هذه الظروف الحساسة، ما لم يتوافر لذلك شروط محددة للغاية، أهمها أن تتعرض المصالح الاستراتيجية الأمريكية لاعتداء مباشر وجسيم من الجانب الايراني، أو يتم استهداف عناصر الجيش الأمريكي بدرجة تغضب الرأي العام وتجعل خيار الضربة العسكرية الأمريكية المحدودة ضد إيران مسألة محسومة ويصعب المزايدة عليها أو التشكيك في دوافعها سياسيًا من جانب الديمقراطيين. أما أهداف الجانب الايراني في هذا السيناريو فهو معاكسة تمامًا لما يريده البيت الأبيض، فالملالي يراهنون على حرب استنزاف طويلة الأمد، ويستطيع النظام تحمل خسائر بشرية ومادية فادحة من دون أن يواجه شبح السقوط سياسيًا بسبب قدرته على الحشد والتعبئة النفسية والأيديولوجية وما يردده من شعارات تسهم في خداع الملايين داخليًا واقليميًا، وبالتالي فالفرصة قد لا تكون مواتية تمامًا لتحقق أهداف الإدارة الأمريكية في هذه المواجهة التي تريدها محدودة وسريعة، ويريدها الطرف الآخر على رقعة كبيرة من الشطرنج الشرق أوسطي، وأمد زمني مفتوح.