لماذا اختار ملالي إيران التوقيت الحالي للتحرش بالسفن الأمريكية في مياه الخليج العربي؟ سؤال يلح على اذهان الكثيرين في منطقتنا والعالم على الأقل لأن عنصر التوقيت يضع هذا السلوك في خانة اللامنطق على الأقل من الناحية الاستراتيجية والسياسية منها تحديداً.
البعض يرى أن الملالي باتوا يرون في تهديدات الرئيس ترامب "مسرحية هزلية" لا يستطيع تنفيذها في ظل ظروف الاقتصاد الأمريكي المتدهورة، وأنهم قد يعتقدون أن اللحظة الراهنة هي الأنسب لتشديد الضغوط على الوجود العسكري الأمريكي في الخليج العربي والعراق وتحقيق هدف يسعون إليه منذ سنوات طيلة مضت، اعتقاداً بأن البيت الأبيض قد يقرر سحب أو على الأقل خفض الوجود العسكري الأمريكي تفادياً لوقوع صدام عسكري مع إيران بما يفاقم معضلات الاقتصاد الأمريكي.
لو كان هذا الرهان صحيحاً من جانب الملالي، فإن يثبتون مرة جديدة فشلهم في قراءة معطيات المشهد الاستراتيجي العالمي، والاكتفاء بقراءة جوانب أو زوايا منفردة من هذا المشهد دون الأخذ بالاعتبار مجمل المعطيات والنتائج عالمياً. فلاشك أن القول بوجود مؤشرات تدهور في مكانة القوى العظمي الأولى عالمياً هي مؤشرات تتجاهل التدهور في مكانة بقية منافسي وخصوم هذه القوة على حد سواء، فما أصاب الاقتصاد الأمريكي من تداعيات سلبية جراء تفشي فيروس "كورونا" ليس حصرياً، فهناك تداعيات سلبية تعانيها جميع الاقتصادات الكبرى المنافسة ـ كالصين وروسيا والاتحاد الأوروبي ـ والمسألة هنا لا ترتبط فقد بحجم الخسائر بل أيضاً بقدرة الاقتصادات على التعافى سريعاً، واستعادة قدرتها على النمو، وهذه مسألة فيها الكثير من التحليلات وموقف الولايات المتحدة فيها ليس الأسوأ بين اقتصادات ودول العالم.
وهناك حقائق عدة في أي نقاش يتعلق بدوافع السلوك الملالي الراهن تجاه الولايات المتحدة، أبرزها أن موازين القوى العسكرية بين إيران والولايات المتحدة لم تتغير سواء بتداعيات جائحة "كورونا" أو بسبب إطلاق نظام الملالي لقمر صناعي عسكري تمتلك الولايات المتحدة العشرات من الأقمار الصناعية العسكرية الأكثر منه تقدماً وتطوراً بمراحل (تمتلك الولايات المتحدة 803 قمراً صناعياً منها نحو خمسين قمراً عسكرياً متقدماً، والدولة الاقرب لها هي الصين التي تمتلك 280 قمراً صناعياً) ويمتلك الجانب الأمريكي قيادة عسكرية مختصة بالفضاء (سبايسكوم) مسؤولة عن ضمان هيمنة الولايات المتحدة عسكرياً على الفضاء، وتتأهب لإنشاء قوة فضاء تعمل إلى جانب جيوش البر والبحر والجو ومشاة البحرية وخفر السواحل، وبالتالي فإن تصريحات قادة الحرس الثوري الايراني عن تغير معادلات القوة بإطلاق قمر صناعي عسكري إيراني من الجيل الأول تمثل نوعاً من خداع الذات ووهم القوة الزائف.
أما حديث اللوبي الايراني في الاعلام عن تقدم إيران العلمي الذي يزعمون أنه تأكد في أزمة تفشي فيروس "كورونا"، فهو الخداع الأكبر للذات، الذي تفضحه ممارسات التعتيم والتستر على الارقام الحقيقية للضحايا والمصابين والاكتفاء بالاعلان عن وفاة أكثر من 5 آلاف إيراني جراء الاصابة بالفيروس!
المؤكد في أي نقاش موضوعي أن ملالي إيران لا يخطئون في كل مايتعلق بمصير النظام وبقائهم في السلطة، ويمتلكون قدراً هائلاً من الحذر والتحفظ إزاء ذلك، وقد ثبت ذلك منذ أزمة مقتل ثماني من الدبلوماسيين الايرانيين في مزار الشريف بأفغانستان عام 1998، حيث تفادى الملالي الوقوع في الفخ الافغاني ولم تتدخل قواتهم عسكرياً وقتذاك في هذا البلد الصعب، وبالتالي فإن القول بأن الملالي يمتلكون تصورات خاطئة وحسابات استراتيجية مغلوطة في الصراع مع الولايات المتحدة ليس صائباً، لأنه(أي الملالي) قد اثبتوا أيضاً أنهم يدركون حدود وفوارق القوة، ولكنهم يحاولون استغلال مايتصورون أنه لحظات ضعف للرؤساء الأمريكيين في نهايات فترة رئاستهم لانتزاع بعض المكاسب الشكلية والدعائية، ولو كان هؤلاء لديهم تصورات خاطئة لجازفوا برد عسكري غير منضبط انتقاماً لمتقل الجنرال قاسم سليماني، ولكنهم اكتفوا بتصريحات وتهديدات كبيرة وعمل عسكري محسوب بدقة فائقة لتفادي اثارة غضب الولايات المتحدة بما يدفعها للرد بشكل قد يطيح بالملالي من الحكم نهائياً.
الحاصل إذن أننا بصدد محاولة إيرانية للعب بالنار والسعي للاستقواء واثبات الذات في ظروف عالمية ضبابية يصعب فيها على أي دولة اتخاذ قرار الحرب، وتبقى المعضلة في أن أي خطأ في التقديرات أو قرار فردي خاطىء قد يشعل فتيل مواجهة لا يريدها الملالي ولا الرئيس ترامب في ظل الظروف الراهنة.