نشرت صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية مؤخرا نتائج دراسة صدرت عن البنك الدولي بعنوان “الاقتصاد والعدالة الاجتماعية لمنع التطرف العنيف”. انطوت على مؤشرات وإحصائيات بالغة الأهمية للمتخصصين والمعنيين في الدول كافة والمهتمة بمكافحة ظاهرة الإرهاب.
ومن بين المؤشرات التي تلفت الانتباه في هذه الدراسة، أن الأجانب الذين يلتحقون بصفوف تنظيم الدولة الإسلامية هم ذوو مستوى تعليمي يفوق توقعات الباحثين والخبراء، بحسب بيانات تسربت من داخل التنظيم ذاته. وبحسب هذه الدراسة، فإن تنظيم داعش لا يجلب مقاتليه الأجانب من بين الفقراء والمهمّشين، وإنما العكس.
واستنادا إلى بيانات تم تسريبها حول نحو 3800 عنصر إرهابي أجنبي انخرطوا في صفوف تنظيم داعش خلال عامي 2013 و2014، تشير الدراسة، بناء على معلومات موثقة حول بلد الإقامة والمستوى التعليمي والخبرات السابقة في العمل الجهادي والإلمام بالشريعة، إلى أن أغلب هذه العناصر وصلت إلى المرحلة الثانوية، وجزء كبير منها تابع دراسته الجامعية.
وبلغت نسبة من وصلوا إلى مرحلة الثانوية العامة من بين عناصر التنظيم الأجانب نحو 43.3 بالمئة، بينما بلغت نسبة من أنهوا الدراسة الجامعية نحو 24.5 بالمئة، في حين بلغت نسبة من اقتصر تعليمهم على المرحلة الابتدائية نحو 13.5 بالمئة من الأجانب.
والأكثر أهمية من هذا المؤشر أن الأجانب الذين انخرطوا في صفوف تنظيم داعش هم من القادمين من دول أفريقية وشرق أوسطية ومن جنوب شرق آسيا، وهم الأكثر تعليما مقارنة بنظرائهم القادمين من بقية الدول، ما يعني أن التنظيم قد نجح في استلاب عقول شريحة ليست قليلة من الشباب المتعلمين، وهذا مؤشر شديد الأهمية وينطوي على دلالات عميقة لأن متوسط أعمار الشريحة العمرية بحسب الدراسة يبلغ نحو 27 عاما، أي أننا بصدد فئة متعلمة تجاوزت مرحلة المراهقة بكثير، واختارت الانضمام إلى تنظيم مصنف على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية بمحض إرادتها، بل والكثير منهم ترك عمله في دولته، كما تقول الدراسة، ولم يذهب يائسا من بطالة أو فقر كما يعتقد معظم الخبراء.
ولم تكتف الدراسة بهذه المؤشرات المثيرة للجدل، بل تناولت في معرض الحديث عن أسباب الانضمام إلى داعش أسبابا لافتة سجلها هؤلاء الأجانب بأنفسهم ضمن بياناتهم الشخصية الموثقة لدى التنظيم، ومنها السعي إلى الموت (الاستشهاد) بينما ذهب آخرون رغبة في “الجهاد”، وتحدث فريق ثالث عن مساعدة التنظيم إداريا، حيث أشارت الدراسة إلى أن الأكثر تعليما من الأجانب في تنظيم داعش يميلون إلى تنفيذ عمليات انتحارية أو تولي مسؤوليات إدارية.
وهما رغبتان متناقضتان بحسب التفسير الظاهري لهذه العلاقة الفريدة بين المستوى التعليمي من ناحية، والرغبة المعلنة من جانب العنصر الإرهابي في المهام والأدوار، التي يطمح إليها داخل التنظيم، ولكنه، على أي حال، مؤشر منطقي من حيث تفسير نمط تفكير هذه الشريحة العمرية من أعضاء التنظيم، فهم إما يميلون إلى التفكير بحذر وهدوء ويرغبون في الانخراط في التنظيم مع تفادي نسبة الخطر المتزايدة مع ساحات القتال وغيرها من المهام الميدانية، وإما أنهم حسموا قرارهم بالسعي إلى تنفيذ مهام انتحارية اعتقادا منهم بأنها السبيل لنيل درجة “الشهادة”، وهؤلاء الأكثر تطرفا أو جنوحا للتشدد الفكري من بين أعضاء التنظيم، حيث يصعب القطع بكونهم مخدوعين أو “مغرر بهم” لأنهم ـ كما سبقت الإشارةـ من ذوي المستوى التعليمي العالي، فضلا عن أن مستويات أعمارهم التي تجعل من الصعب القول بأنهم من المخدوعين.
قد تبدو هذه المؤشرات جديدة في البعض من عناصرها وأبعادها، حيث تركز معظم الدراسات التي تتصدى لبحث التطرف العنيف في الدول العربية والإسلامية تحديدا على تأثير عناصر محددة مثل الفقر والجهل والبطالة، بينما تشير الدراسة إلى أهمية عناصر نوعية مثل الاحتواء الاجتماعي والاقتصادي والديني، ما يعني أن هناك شروخا قائمة وأوجه قصور في السياسات والخطط الموجهة، حيث تترك المجال مفتوحا أمام تنظيمات الإرهاب لاستقطاب الشباب فكريا وأيديولوجيا وإقناعهم بترك أعمالهم والتضحية بمستقبلهم من أجل “تنفيذ أعمال انتحارية”.