نعم ...أطلقت دولة الامارات مسباراً لاستشكاف كوكب المريخ في أول مهمة عربية للكوكب الأحمر، هذه هي الحقيقة التي دفعت الكثيرون للتساؤل عن مغزى هذه الخطوة الاماراتية ونتائجها المتوقعة؛ وفي الرد على ذلك نقول أن هذه الرحلة العلمية التاريخية قد وضعت الامارات في سباق تنافسي عالمي مع قوى عالمية كبرى كالولايات المتحدة وروسيا والصين والاتحاد الأوروبي، التي تتنافس جميعها لاستكشاف المريخ، وتكفي الاشارة إلى أن "مسبار الأمل" قد انطلق في رحلته التاريخية بالتزامن رحلتين للمريخ أحداهما
أطلقتها الصين، والأخرى ستطلقها الولايات المتحدة بنهاية الشهر الجاري، وكلها تحمل أهدافاً علمية لاستشكاف الكوكب، وجاء تزامن اطلاق هذه الرحلات للاستفادة من قصر المسافة بين الأرض والكوكب الأحمر في هذا الوقت من الدورة الفلكية التي لا تتيح ظرف إطلاق مناسب كهذا سوى كل 26 شهراً تقريباً، حيث تكون المسافة عندها 55 مليون كيلومتر تقطع في غضون ستة أشهر، وهدفها جميعاً فتح آفاق جديدة للبشرية ورصد أي مؤشرات حياة على سطحه تمهيداً لإرسال رحلات مأهولة مستقبلاً.
مهمة "مسبار الأمل" تسعى لدراسة الغلاف الجوي للمريخ، والتي تزامنت مع مهمة "تيانون ـ 1" أو "أسئلة السماء" الصينية في أولى بعثات هذا البلد لاستشكاف المريخ أيضاً، لمراقبة الغلاف الجوي لكوكب المريخ وسطحه والبحث عن أي علامات على وجود الماء والثلج، وذلك بعد خمسين عاماً من أطلاق بكين أول أقمارها الصناعية، وهي دلالة لا تخطئها عين مراقب، فالصين التي أطلقت مهمة لاستشكاف المريخ هذا الشهر استغرقت لذلك خمسة عقود، وتزامن أطلاق أول بعثة غير مأهولة لها للمريخ بعثة الامارات، التي تصعد بقوة لسلم التفوق العالمي في هذا المضمار مستفيدة بكفاءة من التقدم البشري والعلمي وساعية لمواكبة ومسايرة نجاح القوى الكبرى وتخوض منافسة علمية معها، ثم تأتي مهمة المسبار الأمريكي "برسفيرنس" الهادفة للحصول على عينات من سطح المريخ ونقلها إلى الأرض في إطار الجهود العلمية الرامية للبحث عن آثار للحياة على الكوكب الأحمر.
ومن خلال متابعتي لمسيرة الجهد الاماراتي في مجال الفضاء، استطيع القول أن الامارات قد وضعت قدميها على سلم النجاح والتقدم العلمي في القرن الحادي والعشرين، فالمريخ هو مفتاح الاكتشافات الفضائية القادمة، بما يحمله من أسرار لم تفلح عشرات الرحلات التي أطلقت حتى الآن في فلك الغازها، وبالتالي سيكون للامارات شأن علمي ومكانة عالمية بتنافسها وتعاونها مع الدول الكبرى التي تتنافس في هذا المجال مثل الولايات المتحدة وأورويا وروسيا والصين والهند، لتحجز بذلك موقعاً متميزاً لها في السباق العالمي نحو ريادة المريخ بشرياً بعد نحو بضعة عقود كما يتوقع العلماء والخبراء، فحلم الامارات وطموحها هو المشاركة الفاعلة في إرسال رحلات مأهولة إلى المريخ بما تراكمه حالياً من خبرات في مجال دراسة ظروف العيش على المريخ.
وتسعدني كثيراً توقعات وشهادات العلماء والخبراء الذين شاركوا الخبراء والمهندسين الاماراتيين في بناء "مسبار الأمل" حيث أكدوا أن الامارات يمكن أن تبني المسبار القادم بكفاءات وخبرات مواطنة، بما يعني أننا وضعنا أقدامنا فعلياً على أول عتبات سلم المجد في مجال الفضاء، واجتزنا بنجاح مرحلة المشاركة مع خبرات عالمية في صناعة الفضاء، وهي مرحلة تخوضها عادة كل القوى الكبرى التي سبقتنا في هذا المجال، فالصين شاركت في بداياتها خبراء روس في صناعة سفن الفضاء والتخطيط لرحلات المركبات الفضائية وإطلاقها إلى الفضاء، وهو مجال يتمس بالتعقيد العلمي البالغ ويمتلىء بالتحديات لأن امكانيات فشل رحلات الاطلاق لا تقل عن فرص النجاح وربما تفوق في كثير من الأحيان. ولكنه يبقى مجالاً ملهماً لأن الفشل فيه يحمل الكثير من الدروس والخبرات التي تفتح الطريق لنجاحات قادمة، لذا فهو بالفعل مجال يصنع الأمل ويفتح الطريق للمستقبل ويسهم في تقوية عزيمة الدول وإرادتها طالما امتلكت الصبر والعلم والايمان بما تنوي تحقيقه وبما يحمله من عوائد وفوائد للبشرية جمعاء.
وقد لفت انتباهي واعجبني أنه في أول رسالة التقطها "مسبار الأمل" بعد ابتعاده عن كوكب الأرض بمليون كيلومتر في عمق الفضاء، وهي صورة لوجهته للكوكب الأحمر، تم التقاطها بأجهزة تتبع النجوم الملحقة بأجهزة الملاحة الفضائية للمسبار، علق صاحب الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ـ رعاه الله ـ قائلاً "ما أوسع الكون .. ما أعظم الخلق .. وما أقرب الخالق"، وهي رسالة ملهمة لشعوب العالم أجمع تبرهن على قوة ايمان قيادتنا الرشيدة بما تقوم به الامارات من دور علمي رائد يسهم في تقدم البشرية وتحضرها، فالامارات تمتلك أجندة وأهدافاً واضحة للتنافسية العالمية في المجالات التنموية كافة، وتتحرك في هذا الاتجاه بثقة وإرادة وقوة الأمل التي يجسدها هذا المسبار الذي يسبح الآن في الفضاء ساعياً لتحقيق مجد علمي يسجل للامارات والعرب جميعاً.