لا يتعلم «الإخوان المسلمين» من دروس الحاضر ولا الماضي، وليس لديهم القدرة على تفادي الأخطاء وتطوير تجربتهم واستيعاب فكرة المواطنة والعمل الوطني الجامع تحت راية الوطن وفي إطار السيادة الوطنية.. هذه الخلاصة ليست جديدة بالنسبة لكل من اطلع على تاريخ تنظيم «الإخوان المسلمين» الإرهابي، ولكن البعض ظل يجادل في وجود تفاوتات واختلافات بين أفرع التنظيم وجبهاته المختلفة في الدول العربية، زاعماً أن «إخوان تونس» أكثر نضجاً وقابلية للتعددية والدمقرطة ومبادئ المواطنة مقارنة بإخوان مصر ضيقي الأفق محدودي التجارب والخبرات، ويستند أصحاب هذا الرأي في ذلك إلى حياة بعض قادة الإخوان تونس، وتحديداً راشد الغنوشي في الغرب فترات طويلة.
الشواهد والتجارب أثبتت خطأ هذه التصورات التي تحمل في ثناياها عوامل تهافتها، فلا الغنوشي ديمقراطي ولا إخوان تونس مختلفون عن أقرانهم من إخوان مصر ولا غيرهم، فالموروث الفكري والأيديولوجي مشترك وواحد يقوم على الأوتوقراطية السياسية والدينية والاستبداد والهيمنة الأحادية ويرفض الآخر، لذا فإن حدوث المواجهة بينهم وبين الرئيس التونسي قيس بن سعيد كانت واردة وقائمة منذ الساعات الأولى لتوليه السلطة، ورغم محاولاته المضنية للتعايش معهم وقبولهم في الإطار الوطني الجامع، بما في ذلك تقديم بعض التنازلات السياسية لهم، والقبول ببعض انحرافاتهم السياسية مثل تجاوز صلاحيات رئيس الدولة الدستورية في رسم السياسة الخارجية والدفاعية للبلاد وغير ذلك، فقد فشل في إقناعهم بالعمل تحت مظلة التعايش السياسي الوطني الجامع لكل التيارات الحزبية والسياسية، وانتهى الأمر باعتراف الرئيس قيس بن سعيد ذاته بأن هناك الكثير من الحسابات السياسية الضيقة، وأنه لن يقبل «أن تكون تونس مرتعاً للإرهابيين، ولا أن يكون فيها عملاء يتآمرون مع الخارج ويهيئون الظروف للخروج عن الشرعية»، قائلاً «من يتآمر على الدولة ليس له مكان في تونس»، مشيراً إلى أن بعض الاحتجاجات في المدة الأخيرة هي من فعل عدد من القوى والأشخاص الذين حاولوا الزج بالقوات المسلحة حتى تدخل في مواجهات»، موضحاً أن «الفوضى التي يسعون إلى إدخالها في البلاد سيتم إفشالها مهما كانت التضحيات».
تحدث الرئيس بأسلوب لم تعهده الساحة التونسية منذ وصوله للسلطة، فجاء حديثه كاشفاً عن أنه «يعلم جيداً سهراتهم ومآدبهم وما يقولونه في مآدبهم وفي لقاءاتهم، يهيئون الظروف للخروج عن الشرعية، ونحن نتمسك بالقانون ولكن من يتمسك بالقانون عليه أن يسعى لتطبيقه». والكل في منطقتنا يعلم أن المتاجرة بفقر المواطنين وأوضاعهم الاجتماعية وتوظيف هذه الأوضاع في إثارة الاحتجاجات هو مدخل الإخوان الأثير لنشر الفوضى والاضطرابات في الدول التي شهدت أزمات منذ عام 2011، ولذا فإن دخولهم في صراع مباشر مع الدولة التونسية قد جاء نتيجة فشلهم في استقطاب الشارع التونسي في كل الجولات الانتخابية الأخيرة التي أثبتت تباعد المسافات بينهم وبين التونسيين رغم فوزهم بربع مقاعد البرلمان الحالي.
الرئيس التونسي قيس بن سعيد ضاق ذرعاً بتجاوز زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي لصلاحياته وحدود اختصاصاته كرئيس للبرلمان، وقد بدا ذلك جلياً في زيارة الغنوشي اللافتة للرئيس التركي، وعقده جلسة محادثات لا تستقيم مع الإطار البروتوكولي في مثل هذه الحالات! بل إن الأمر قد تحوّل إلى غياب للثقة بين مؤسسة الرئاسة ورئيس البرلمان، حيث تفادى الرئيس قيس بن سعيد عقد جلسات مجلس الأمن القومي التي تستلزم دستورياً حضور رئيس البرلمان، وذلك لمناقشة تطورات الأزمة الليبية المؤثرة في الأمن القومي التونسي، وعقد بدلاً من ذلك مجلساً أعلى للجيوش والقيادات الأمنية.
الغريب أن إخوان تونس يؤيدون حكومة الوفاق وداعميها الأتراك، بينما يبدو الرئيس التونسي داعماً للحل الليبي القبلي، والحاصل أن الإخوان يميلون كعادتهم لما فيه مصلحة «التنظيم الدولي» وليس مصلحة شعبهم ووطنهم، فالأوامر التي تأتي من الخارج وتحديداً من أنقرة، لا علاقة لها بما تتوافق عليه الدولة التونسية، وقد أثبت مجدداً أنهم تنظيم قائم على الاستقطاب الوطني ويعمل في إطار هوية مغايرة للهويات الوطنية، حتى أن الرئيس التونسي قد أكد خلال لقاء مع الغنوشي رئيس البرلمان أنه لن يقف مكتوف الأيدي «أمام ما تشهده الدولة من تهاوٍ»، في انعكاس لحجم الخطر القائم على الوطن والدولة.
إخوان تونس يدركون أن الظروف الداخلية والإقليمية الراهنة لن تمنح رئيس الجمهورية فرصة لحل البرلمان، وبالتالي يعملون على تصعيد الأزمة، رغم أن هناك عريضة لسحب الثقة من الغنوشي رئيس البرلمان، وقّعها نحو 85 نائباً يجمعون على فشل الغنوشي في القيام بمهامه البرلمانية، إلى جانب تجاوزه لصلاحيات رئيس الجمهورية، حتى أن عبير موسى رئيسة الحزب الدستوري الحر قد اعتبرت وجود الغنوشي على رأس البرلمان تهديداً لأمن البلاد القومي، وتحدثت موسى عن «مخططات الإخوان لتقسيم السلطة وإنشاء حكومة على خلاف الصيغ الدستورية، من خلال طرح رئيس حكومة جديد دون المرور برئيس الدولة قيس سعيد»، واعتبرت أن «هذا السيناريو سيدخل تونس في صراع الشرعيات مثلما هو الحال في ليبيا». والواضح أن إخوان تونس يحاولون استغلال الظروف الراهنة للضغط من أجل تنصيب حكومة موالية للتنظيم ومحاصرة دور الرئيس، بل وتجاوزه بما يعكس رفضهم لكل أنماط المشاركة السياسية والتعددية الوطنية الجامعة! ليتأكد للجميع مجدداً أن إخوان تونس هم الوجه الآخر لتنظيمات الإخوان الإرهابية في كل الدول، ولا يفصل بينهم في ذلك سوى مستويات البلاغة في الحديث والقدرة على المناورة والمراوغة والتقية السياسية.