في ضوء تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، ومع اقتراب الرابع من نوفمبر المقبل، موعد بدء تطبيق العقوبات الأمريكية ضد إيران، يتداول الباحثون والخبراء والمهتمون بمنطقة الشرق الأوسط تساؤلات حول مسارات الأزمة، وتتباين الآراء حول احتمالية نشوب صراع عسكري أمريكي - إيراني، بينما يقطع فريق ثالث بأن الحرب قادمة لا محالة، وأن ما يتبقى فقط هو «ساعة الصفر»، أي توقيت اندلاعها.
في الجدل بين الحرب والتسوية، هناك وجهتي نظر، أولهما تقوم على محاكاة سيناريو كوريا الشمالية، ويستعرضون في ذلك تفاصيل الحرب الكلامية التي تنثرت فيها الاتهامات واشتملت على شتائم ومباهاة بـ»الزر النووي» وأيهما أكبر، الذي تمتلكه الولايات المتحدة أم «الزر» الذي تمتلكه كوريا الشمالية، وغير ذلك من مظاهر تصعيد كلامي «ذاب» تماماً في قمة سنغافورة الشهيرة بين الرئيس ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، والمديح الذي قيل في حكمة الزعيم، ثم رسالة الشكر «التويترية» التي تلقاها من البيت الأبيض تعليقاً على موافقته على تسليم رفات جنود أمريكيين قتلوا في الحرب الكورية مطلع القرن الماضي: «شكراً لكيم جونغ أون». يسقط أصحاب هذه الرؤية سيناريو كوريا الشمالية على الحالة الإيرانية، ويرون أن التوتر الحالي سينتهي بقمة بين ترامب وروحاني تعقد في بلد ما، ويستشهدون على ذلك بتلميحات ترامب التي ينشرها بين «تغريدة» وأخرى حول ترحيبه بأي مفاوضات مع إيران تستهدف التوصل إلى «صفقة» مغايرة لتلك التي انسحب منها، ويعتقد أصحاب هذا الرأي أن ترامب يركز على جمع أكبر عدد من «الصفقات» مع غرماء الولايات المتحدة، ويباهي بكونه «رئيس صفقات»، وأن هذه الصفقات تحقق مصالح الولايات المتحدة الإستراتيجية بطريقة أفضل مما فعل سلفه أوباما.
يرى أصحاب هذا الرأي أيضاً أن توازنات القوى العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران لا تجعل من لجوء الملالي إلى التصعيد خياراً واقعياً، في ظل الفوارق الهائلة في قدرات التسلح التقليدية بين القوات الجوية والبحرية والقدرات الصاروخية للجيشين الأمريكي والإيراني.
في مواجهة هذه الرؤية يرى فريق ثانٍ أن الحرب قادمة، وأن الملالي لن يقبلوا بأيّ مفاوضات جديدة مع الولايات المتحدة بعد انسحابها من الاتفاق النووي، جراء انعدام الثقة تماماً في إدارة ترامب. ويستند أصحاب هذا الرأي أيضاً إلى العديد من الأدلة والبراهين، منها تفاقم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في إيران، وأن الحرب ستكون طوق إنقاذ للنظام، الذي يراهن دائماً على تصدير الأزمات، ولن يجد أفضل من هذه الفرصة بديلاً لإنقاذ مستقبله وحشد معظم الشعب الإيراني حوله تحت شعارات من قبيل «التصدي للاعتداء الأمريكي»، فضلاً عن أن الملالي يشعرون بمحاصرة نفوذهم الذي استثمروا فيه مليارات الشعب الإيراني طيلة السنوات الماضية، في سوريا واليمن والعراق ولبنان، ومن ثم فإن إشعال حرب ستكون فكرة مناسبة لتغطية جرائم الملالي وإيجاد ذريعة لدى شعبهم لتسويق فكرة انهيار الاقتصاد وتدهور أوضاع البلاد.
ويرد أصحاب هذا الرأي على فكرة غياب توازنات القوى العسكرية وتأثيرها في نزع فتيل الحرب، بالقول إن هذه الفوارق لا تأثير لها في حسابات صانع القرار الإيراني، الذي يتسم بالمغامرة والطيش السياسي والتهور الإستراتيجي، فضلاً عن أن الملالي لا يراهنون على حرب تقليدية بل على استدراج الولايات المتحدة إلى حرب غير تقليدية قوامها أذرع إيران الإقليمية الطائفية، التي دربها الحرس الثوري لسنوات طويلة على إحراق الأرض والغرس تحت أقدام الشعوب في حال تعرض النظام الإيراني لأي خطر وجودي، فضلاً عن وجود عشرات الخطط السرية للاستعانة بالخلايا الإيرانية النائمة في مناطق ودول عدة من أجل التخريب ونشر الفوضى والدمار، بما يمثل ورقة ضغط كبيرة على مخططي الحرب في الولايات المتحدة لإيقافها ربما قبل أن تحقق أهدافها.
هناك فريق ثالث يبني وجهة نظره على أن الحرب واقعة لا محالة وأن السؤال الحقيقي ليس سؤال الحرب والتسوية، بل سؤال التوقيت والزمان الذي ستصحو فيه المنطقة على أزيز الصواريخ الأمريكية والإسرائيلية الموجهة إلى إيران.
والحقيقة أن سؤال الحرب من أصعب الأسئلة في الوقت والظروف والمعطيات الراهنة، وربما لا يعلم إجابته سوى الرئيس ترامب نفسه، الذي يدرك جيداً كيف سيوجه الأمور مع إيران وإلى أين ينوي الدفع بمسار التصعيد الكلامي وهل سيترجمه إلى تصعيد على الأرض والضغط على زر الحرب أم سيكتفي بضغوط اقتصادية غير مسبوقة تاريخياً -كما وصفها الرئيس ترامب ذاته- ضم الرهان على الشعب الإيراني لاستكمال مهمة إسقاط النظام.
ربما لا يجد المحلل السياسي معطيات كافية لاستشراف المستقبل المنظور في مثل هذه الظروف الملتبسة والمعقدة، لاسيما أن تجارب الماضي القريب والحالات المناظرة لا تبدو مطابقة تماماً لمعطيات وظروف الأزمة الراهنة، ناهيك عن صعوبة التنبؤ بسلوك طرفي الأزمة، لاسيما نظام الملالي المتهور الذي يعيش ظروفاً معقدة جعلته من الهشاشة بدرجة قد تدفعه لافتعال الحرب، فضلاً عن وجود احتمالية عالية لتوابع سوء الفهم أو سوء الإدراك المتبادل بين طرفي الأزمة، وكلها عوامل تبقى أرجحية متوازنة لكل السيناريوهات وتبقى عليها مفتوحة بأوزان نسبية متساوية تقريباً، وإن كانت هناك أفضلية واقعية -بنسبة ضئيلة للغاية- لسيناريو «الصفقة».