أمسكت بقلمي لأكتب هذا المقال بعد أن قرأت تصريحًا من التي توصف بـ "النارية" للجنرال الإيراني قاسم سليماني قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني، قال فيه موجهًا كلامه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "قد تبدأ أنت الحرب لكننا سننهيها".
تصريحات سليماني تبدو في غاية العجب لأمور واعتبارات عدة، أولها أنه يتحدث عن مقدرة إيران على إنهاء الحرب، وهذا حديث قابل للتأويل والتفسير ويحمل في باطنه أكثر مما يخفي في ظاهره، ولا يقول به، بخلاف من غابت عنهم نعمة العقل، سوى من يمتلك قنبلة نووية متطورة أو أسلحة في غاية التقدم، وهذه أمور لم تعد خافية كي يمكن التهديد بها باعتبارها ضمن أدوات الردع الخفية عن الطرف الآخر، لاسيما إن كان هذا الطرف القوة العظمى المهيمنة على مفاصل النظام العالمي والأكثر قدرات وتطورًا وإنفاقًا عسكريًا في العالم.
يقول سليماني أيضًا في التصريح ذاته إن "البحر الأحمر لم يعد آمنا بوجود القوات الأمريكية فيه"، ويضيف: "البحر الأحمر كان بحرا آمنا، حولتموه إلى بحر غير آمن، الرياض كانت مدينة آمنة الآن تسقط فيها القذائف"، الأمر الذي يثير الاستغراب والدهشة حول علاقة إيران بأمن البحر الأحمر، وسر التنويه بغياب الأمن في هذا البحر في توقيت تعرضت فيه ناقلة نفط سعودية لتهديد عسكري من جانب ميليشيات الحوثي التابعة لإيران، وهل يعني هذا التصريح سوى أن سليماني يريد التلميح إلى أن استهداف ناقلة النفط السعودية لم يكن سوى "بروفة" إيرانية لما قد يحدث في مياه الخليج العربي؟
العلاقة واضحة بين الاستهداف الحوثي وتصريحات سليماني، التي أكدت الشكوك بأن الحوثي قد تلقت تعليمات من الملالي بتنفيذ هذه العملية الاجرامية كرسالة ساذجة لمن يهمه الأمر!
يقول سليماني أيضًا: "واجبي كعسكري يحتم علي الرد على تهديدات ترامب، وعليه أن يعي أنه إذا كان يريد استخدام لغة التهديد فعليه أن يوجه كلامه لي وليس للرئيس روحاني"، هذا كلام آخر عجيب، فالجنرال الإيراني يسقط البروتوكول ويهدر مكانة رئيسه ويسحب منه سلطة الحديث في الأمور الأمنية والعسكرية التي تخص دولة يفترض أن شعبها انتخبه لاتخاذ القرارات الكبرى في مختلف المجالات بما في ذلك الأمنية والعسكرية لا أن يسحبها منه جنرال ويحتكر التعامل فيها مع رئيس أكبر دولة في العالم!
إنها غرائب نظام الملالي، الذي لا تعرف له رأسا من قدم، ولا تعرف حقيقة هرمية السلطة بداخله، عدا أن مرشدهم الأعلى هو الآمر الناهي في هذا النظام، وعدا ذلك تصبح الأمور مختلطة مرتبطة ومتداخلة بين السياسي والعسكري والديني والطائفي والكبير والصغير والإصلاحي والمحافظ والمتشدد والمتطرف!
يعتقد سليماني أنه قادر على التصدي لجيش هو الأقوى في العالم بميليشيات أصابها الغرور ويقول: "أنا ندكم وقوات القدس هي ندكم وليس إيران كدولة، ليس هناك ليلة ننام فيها ولا نفكر بكم"!
هل رأيتم أي مؤشر على العقل وسلامة الصحة النفسية في تصريح كهذا؟ لا يوجد بطبيعة الحال ولاسيما أن الرجل يكمل فيقول بعد أن ينعت ترامب بالمقامر: "في اللحظة التي أنت فيها عاجز عن التفكير نحن قريبون منك لدرجة لا يمكنك تصورها"، هي تصريحات عبثية لم يقل بها أي من المغامرون المعروفون على الساحة الدولية من قبل، ولكن الجنرال سليماني مغامر من طراز فريد، ويعتقد أن القوات الأمريكية ستنزل على الأرض لخوض صراع مع ميلشياته الطائفية في معركة غير تقليدية!
كم أنت مغامر يا سليماني! ألا تتذكر دروس حرب العراق عام 2003 حين كنت أنت وأركان نظام تتسلون رضا الولايات المتحدة حتى لا توجه سهامها صوب إيران، وكيف أنكم قدمتم كل تعاون وتسهيلات لازمة للجيش الأمريكي وقتذاك في أفغانستان والعراق كي ينجو نظامكم من الغضب الأمريكي آنذاك؟ لو تذكرت قليلًا ما دار منذ نحو 15 عامًا ستعرف يقينًا أنك تبيع الوهم للملالي ولجزء من شعبك ممن يمضون وراء خيالك المريض!
الحقيقة أن المنطقة بل العالم أجمع لن يشهد أمنا واستقرارًا في ظل امتلاك مثل هذه العقليات المريضة بداء العظمة سلطة القرار في بعض دول المنطقة، وأي حديث عن الأمن والاستقرار والتسوية مع وجود مثل هذه العقليات يبدو نوعا من المجازفة والمغامرة الخطيرة.