رغم أن قمة هلسنكي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، لم تكشف عن تفاصيل ما دار بين الزعيمين حول إيران ودورها في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما كان متوقعاً، حيث يصعب تناول ما تم التفاهم بشأن في تصريحات علنية تعقب القمة، ومع ذلك فإن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة قد دخلت فصلاً جديداً في الأيام القليلة الماضية حيث قال مسؤولون أمريكيون إن إدارة الرئيس دونالد ترامب تشن حملة من الخطب والاتصالات على الانترنت بهدف الضغط على إيران لوقف برنامجها النووي ودعمها جماعات مسلحة.
هذه الحملة يشارك فيها أكثر من 12 من المسؤولين الحاليين والسابقين، ويدعمها وزير الخارجية مايك بومبيو ومستشار الأمن القومي جون بولتون، وتهدف إلى العمل بالتنسيق مع حملة ترامب لتضييق الخناق على إيران اقتصاديا من خلال إعادة فرض عقوبات صارمة عليها. وهذه الحملة تعمل في إطار غير رسمي، حيث امتنع البيت الأبيض ووزارة الخارجية الأمريكية عن التعليق عليها، بينما قابلها مسؤولون إيرانيون، كالعادة، بالسخرية والاستخفاف ونفي أي تأثير متوقع لها.
على الجانب الآخر، وبعد تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني، التي هدد فيها بإغلاق مضيق هرمز ومنع صادرات النفط الخليجية في حال تعرضت إيران لأخطار، وقال نصاً خلال جولة أوروبية له «إن الأمريكيين ادعوا أنهم يريدون إيقاف صادرات النفط الإيراني بشكل كامل. إنهم لا يفهمون معنى هذا التصريح، لأنه لا معنى أن يتوقف تصدير النفط الإيراني، في حين يتم تصدير نفط المنطقة»، وهي التصريحات التي قوبلت بإشادة لافتة من الحرس الثوري الإيراني، إذ أعرب الجنرال قاسم سليماني عن رغبته في «تقبيل يد الرئيس» امتناناً لهذه التصريحات التي تعبر عن الجوهر الحقيقي للرئيس روحاني كما قال سليماني! بعد هذه التصريحات دخل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على خط التهديدات معرباً عن دعمه لفكرة عرقلة صادرات النفط من دول الجوار عبر مضيق هرمز إذا أدت العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على إيران إلى وقف شراء النفط الإيراني.
لم يكن خامئني يتحدث إلى جمهور عادي كي يمكن اعتبار حديثه نوع من المزايدة والتهديدات الجوفاء، بل تناول الموضوع خلال لقاء جمعه بدبلوماسيين وسفراء إيرانيين، مؤكداً أن سياسة منع شحنات النفط عبر مضيق هرمز، التي أوضحها سابقا الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال زيارة إلى أوروبا في وقت سابق من هذا الشهر، «ذات مغزى» و«تعبر عن سياسة ونهج» إيران إذا مضت واشنطن قدما في فرض قيود على صادرات النفط الإيرانية. وأضاف خامنئي: «من واجب وزارة الخارجية اتباع موقف الرئيس بشكل جدي».
إننا إذن بصدد توجيهات من قمة هرم النظام الإيراني لسفراء الدولة بضرورة إبلاغ رسالة التهديد ونشرها في عواصم العالم التي يعملون فيها.
هناك تحليلات وتقديرات استراتيجية كثيرة حول البدائل والخيارات الاستراتيجية الإيرانية في التعاطي مع خطة الرئيس ترامب للضغط على إيران ووقف صادرات النفط، ومن هذه البدائل إغلاق مضيق هرمز، وهي خطة قابلة للتنفيذ وسهلة في الوقت ذاته، كون المسألة لا تتعلق بالقدرات العسكرية الإيراني بحكم ضيق المضيق وحساسية الجغرافيا في هذه المنطقة الملتهبة، ولكن الأمر يتعلق بقرار سياسي إيراني بالأساس، وربما هي المرة الأولى التي تذهب فيها القيادة الإيرانية للتلويح بإغلاق المضيق من بين عشرات التهديدات التي كانت تطلق في أزمات سابقة ولكنها كانت تبقى في دائرة القادة العسكريين المتطرفين المنتمين للحرس الثوري الإيراني في أغلبهم.
تصريحات خامنئي تؤكد أيضاً أن روحاني لم يكن ينطق من فراغ بل يعبر عن استراتيجية متطرفة حدث توافق بشأنها بين جميع اركان النظام الإيراني، وهي استراتيجية انتحارية بامتياز.
يأتي التهديد هذه المرة من قمة هرم السلطة السياسي في إيران، ما يعني أن هناك توجيهًا ما صدر بالفعل لأن الملالي يدركون أيضاً أن وقف صادرات النفط يعني نهاية النظام بفتح المجال امام ثورة شعبية تقتلع جذور هذا النظام وتطيح به في أيام قلائل.
خيارات نظام الملالي في التعامل مع الضغوط الأمريكية انتحارية بالفعل لأنها تفاقم هذه المرة سياسة «حافة الهاوية» وتذهب بعيداً في ممارسة لعبة «عض الأصبع» وهي تدرك جيداً أن الرئيس ترامب يبقى على درجة احترافية عالية في ممارسة هذه اللعبة، التي جلبت لها الزعيم الكوري الشمالي إلى طاولة التفاوض، وهو يدرك جيداً أنها ستجلب الملالي إلى مائدة مماثلة، حيث قال الأسبوع الماضي «إنه في لحظة معينة سيتصل به مسؤولون إيرانيون وسيطلبون عقد صفقة»، كما يؤكد مراراً أنه رئيس يشتهر بالصفقات، وبالتالي فهو يجيد قواعد اللعبة، ولكن نظام الملالي يلجأ لخيارات انتحارية غير مدروسة.
لا يضع خامئني ورفاقه في اعتبارهم أنهم يضعون مصير نظامهم في مرمى الاستهداف العالمي وليس الأمريكي فقط، فتهديداته التي تستهدف دفع الدول المستورد للنفط من منطقة الخليج العربي إلى الضغط على البيت الأبيض لوقف الضغوط على إيران، لن تحقق أهدافها في ظل التوترات العالمية الحالية، وفي ظل الإشكالات التي تعانيها العلاقات بين القوى الكبرى سواء بسبب الرسوم الجمركية، أو بسبب صعوبات التأقلم مع توجهات الرئيس ترامب، ورغم ذلك لن ترضى أي دولة كبرى بهذا التهديد الغبي، فالكل يدرك أن هناك صعوبة في الضغط على البيت الأبيض، ومن ثم فإن الحنق والغضب سينصب على نظام الملالي الذي يمارس اللعبة وفق قواعدها القديمة متجاهلاً طبيعة المتغيرات التي طرأت على العلاقات الدولية في عهد الرئيس ترامب.