يدرك أي باحث مهتم بالشأن الإيراني أن أول ما يفكر فيه نظام الملالي عند تفاقم التوتر مع الولايات المتحدة هو التلويح بإغلاق مضيق هرمز، وبالتالي فلا جديد يذكر في التصريحات الإيرانية المتكررة خلال الأيام الماضية بشأن إغلاق المضيق.
هذه التهديدات وردت على ألسنة العديد من قادة الحرس الثوري الإيراني، ومنهم القيادي إسماعيل الكوثري الذي قال «في حال كانوا يريدون إيقاف الصادرات النفطية الإيرانية، نحن لن نسمح بمرور أي شحنة نفط عبر مضيق هرمز»، كما أعلن قائد فيلق «القدس» التابع للحرس الثوري قاسم سليماني أن طهران مستعدة لعرقلة صادرات النفط من منطقة الشرق الأوسط.
هذه التهديدات وغيرها تعبر عن حالة من الانفعال غير المنضبط رداً على إعلان الخارجية الأمريكية أن واشنطن تسعى لتقليص الإيرادات النفطية الإيرانية إلى الصفر.
اللافت هذه المرة أن الأمور لم تترك لقادة الحرس الثوري فقط، بل دخل على خط التشنج والتهديد هذه المرة الرئيس الإيراني حسن روحاني الذي قال إن الولايات المتحدة «لم تفكر في عواقب» هذه الخطوة.
ولم يكتف روحاني في تصريح آخر له بهذه الجملة، بل انتقل إلى لغة أكثر هجومية وهدد خلال استقباله الجالية الإيرانية المقيمة في سويسرا وهدد بمنع عبور شحنات النفط من الدول المجاورة، في حال مضت واشنطن قدما في خططها لإجبار جميع الدول على وقف شراء النفط الإيراني، وقال روحاني: «الأمريكيون يزعمون أنهم يسعون إلى وقف تصدير النفط الإيراني بشكل كامل.. هؤلاء لا يفهمون ما يقولون فهذا الكلام لا معنى له، وفي حال لم تتمكن إيران من تصدير نفطها فإن تصدير النفط سيتوقف في المنطقة كلها ولو أردتم فعل ذلك فجربوا الأمر وستتلقون النتيجة».
تصريحات روحاني كانت لافتة وقوبلت بإشادة من منتقديه في الحرس الثوري، حيث أشاد بها قائد فيلق القدس قاسم سليماني، الذي بعث برسالة للرئيس روحاني قال فيها: «ما نقلته وسائل الإعلام من تصريحاتك بأنه في حال منع إيران من تصدير النفط، فليس هناك ضمان لتصدير النفط من المنطقة برمتها، وحديثك عن موقف إيران تجاه الكيان الصهيوني، يبعث على الفخر والاعتزاز». وقال قائد فيلق القدس: «هذا هو الدكتور روحاني الذي نعرفه» بعد تصريحاته الأخيرة حول النفط الإيراني. وتابع سليماني المعروف بتشدده: «أقبل يديك (روحاني) على تلك التصريحات الحكيمة التي جاءت في وقتها، وأنا في خدمتك لتطبيق أي سياسة تخدم الجمهورية الإسلامية».
وأكد سليماني أن الحرس الثوري مستعد لتطبيق سياسة تعرقل صادرات النفط الإقليمية، حال قيام الولايات المتحدة بعرقلة صادرات النفط الإيرانية.
الحرس الثوري يدفع باتجاه الحرب والتصعيد العسكري، ويرى فيها طوق انقاذ للنظام، الذي يقتات على الأزمات، أما الرئيس روحاني فقد خشي من ان يضحي النظام به في حال تمسك بمنطق الحوار مع الولايات المتحدة، لا سيما بعد ظهور مؤشرات وعلامات على احتمالية هذا السيناريو، ومن ثم فقد بادر إلى المزايدة على التشدد مع متطرفي النظام، علماً بأن ما صرح به روحاني من وجهة نظري يعكس قناعاته ومواقفه الداخلية وليس الوجه «المعتدل» الذي يرتدي قناعه في التعامل مع الخارج. وسليماني ذكر الحقيقة عندما قال «إن هذا هو الدكتور روحاني الذي نعرفه». فما حدث هو أن روحاني تخلى في تلك اللحظة عن التزامه بلعبة توزيع الأدوار التي يجيدها نظام الملالي وتحدث بما يعبر عن رؤيته وهي لغة مقصودة أيضاً، وهدفها إرسال رسالة للولايات المتحدة بأن النظام الإيراني بكل اجنحته على استعداد للمخاطرة بخوض صراع عسكري في حال المضي في تنفيذ قرار العقوبات.
الحقيقة أن نظام الملالي يدرك ان الرئيس ترامب لن يتراجع عن موقفه بشأن العقوبات، لذا يبدو النظام الإيراني أكثر قلقاً هذه المرة رغم خبرته الكبيرة بممارسة سياسة «حافة الهاوية» مع إدارات أمريكية سابقة، فهو على يقين بأن هذه الإدارة مختلفة ولا تمارس هذه السياسة ثم تتراجع في النهاية قبل أن تحصل على ما تريد، بل تمضي فيما تعلنه بشكل صريح ولن تتراجع ما لم تحصل على ما تريد من تنازلات إيرانية، وهذا يعني قرب نهاية النظام، الذي لم يعد أمامه سوى الاصطفاف بمختلف أجنحته وتقبيل أيدي بعضهم البعض خشية من مصير محتوم!