قامت إيران بافتتاح قنصليتها في مدينة البصرة بعد أيام قلائل من حرقها على يد أبناء الشعب العراقي، ولم تنتبه إلى مغزى "الفعل" و"الرسالة" التي أراد المتظاهرون من أبناء البصرة إرسالها إلى نظام الملالي، والتي لم تقتصر على إحراق القنصلية بل رفع شعارات واضحة ترفض الدور الإيراني في بلادهم، وتهربت من الرسالة واتهمت دولاً عربية بالتحريض على حرق القنصلية!
ورغم أن تظاهرات البصرة هي حدث داخلي عراقي يتعلق بسياسات الحكومات المتعاقبة في العراق، فإنها كذلك رسالة إلى المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي ونظامه، وتلفت النظر إلى أمور مهمة أولها أنها اندلعت في مناطق تعتبر تقليدياً من مناطق النفوذ السياسي للأحزاب الشيعية، التي تسيطر على دفة السياسة العراقية منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003، ما يعني أن الرفض الشعبي في البصرة قد استهدف هذه الأحزاب المدعومة من إيران أو مقربة منها سياسياً، سيما أن رسائل الاعتراض والاحتجاج قد تضمنت احراق العديد من مقرات هذه الأحزاب
تتعامل إيران مع العراق بأسلوب استعلائي منذ ان تباهت بالسيطرة على عاصمة الرشيد، واتخذت من أراضيه ممراً مستباحاً لعبور الأسلحة والعتاد والميلشيات إلى سوريا وشواطئ البحر المتوسط عبر "حزب الله" اللبناني"، ولكن هذا لم يوفر للعراق أهمية مفترضة لدى نظام الملالي، الذي أوقف تزويد العراق بالكهرباء بسبب تأخر الحكومة العراقية في دفع الأموال للجانب الإيراني! حيث قالت الحكومة العراقية أنها فشلت في اقناع الجانب الإيراني باستئناف تزويد العراق بالطاقة الكهربائية!
حسابات الملالي فيها مغالطات استراتيجية كبيرة بحق العراق والعراقيين، فهذا النظام يتعامل مع العراق بطريقة مجحفة واستعلائية، وبدلاً من أن يراجع حساباته ويفهم رسالة البصرة، يدين حادث حرق القنصلية على يد مواطنين عراقيين غاضبين من تدخل إيران في شؤون بلادهم، ويتناسى أنه زعم أن محتجين إيرانيين هم من قاموا بحرق مقر القنصلية السعودية في مشهد عام 2016، وزعم ان متظاهرين أيضاً قاموا باقتحام السفارة البريطانية في طهران عام 2011!
للنظام الإيراني سجل أسود في مسألة حماية السفارات، وهو نظام خبير في تدبير حرق ممثليات الدول الأجنبية لديه بمعرفة ميلشياته الطائفية التي تتلقى أوامرها من قادة الحرس الثوري، وبالتالي فهو يتعامى عن فهم رسالة حرق قنصليته في البصرة، ولا يدرك أنه فعل حقيقي صادر ومذيل باسم الشعب العراقي!
رسالة البصرة إلى إيران هي رسالة شعب بات يرفض خضوع العراق العريق لإملاءات ورغبات ومخططات النظام الإيراني، وهي ثورة ضد سياسات إيران تجاه العراق ورسالة في الوقت ذاته للأحزاب والتيارات السياسية العراقية بأنه آن الآوان ليكون العراق للعراقيين.
مجمل تطورات الأوضاع في العراق وسوريا تدعو إيران إلى ضرورة التعجيل بمراجعة سياساتها الإقليمية والدولية ولا تنتظر نوفمبر المقبل، موعد سريان العقوبات الأمريكية بشأن النفط، كي تقدم على مغامرة جديدة، فالكل يعرف أن النظام الإيراني يعاني وفشل تماماً في إدارة اقتصاد البلاد، لسبب بسيط هو هدر الموارد وتوجيهها نحو تمويل تنظيمات الإرهاب والانفاق على مخططات النظام، التي سئم منها الشعب الإيراني ويدفع ضريبتها!
الإشكالية الأعمق أن شعوب عربية أخرى تدفع ضريبة السياسات الإيرانية التوسعية في الإقليم، فالعراقيون في البصرة ومحافظات أخرى عديدة يعانون رغم ما يمتلكه هذا البلد العربي من ثروات مادية وبشرية، بسبب استمرار التدخلات الخارجية رغم نجاحه في التصدي لخطر الإرهاب ورغبة ملايين العراقيين في استعادة حياتهم الطبيعية وإيجاد فرص عمل وتوافر الحد الأدنى من خدمات البنى التحتية.
آن لنظام الملالي أن يكف يده عن الدول والشعوب العربية، وأن يحترم ميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية الخاصة باحترام الدول الأخرى وسيادتها، وآن له كذلك أن يفهم رسائل المحتجين سواء في شوارع المدن الإيرانية أو شوارع البصرة، فالكل سواء في المعاناة جراء طيش سياسات الملالي!