خلال متابعتي لأزمة تفشي فيروس «كورونا» في إيران، اتضح لي أن أحد أخطر أسباب الوضع الصحي المتردي هو سياسة التعتيم والقرارات وردود الفعل البطيئة التي يتخذها النظام، ومنها على سبيل المثال مسألة تقييد حركة السفر بين المدن الإيرانية التي رفضها الملالي في بداية الأزمة، واتخذ بدلا منها إجراءات صحية محدودة لم تحقق نتائج فاعلة، وكان هذا الرفض سببا من أسباب تفشي الفيروس بين الإيرانيين وانتشاره في مختلف المناطق، ثم لجأ بعد ذلك إلى فرض قيود للحد من السفر بين المدن الكبرى، وهو إجراء متأخر كثيرا رغم أن إيران واحدة من أكثر الدول تضررا من المرض بعد الصين التي نشأ فيها فيروس «Covid-19».
هناك حالة ارتباك وتباطؤ إيرانية واضحة في التعامل مع الخطر، وتسبب التعتيم الرسمي والإعلامي في انتقال المرض إلى دول أخرى مجاورة كان يمكن لها أن تتحوط في حال تم التعامل إيرانيا بشفافية منذ بداية الأزمة، ولكن الأخطر أن حالة الارتباك لا تزال مستمرة، والشفافية لا تزال غائبة عن الخطاب الرسمي الإيراني بهذا الشأن، فعدد الوفيات الرسمي جراء الإصابة بفيروس كورونا غير معروف بدقة، ووكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها قالت إن عدد الوفيات الرسمي في البلاد قد يكون أعلى، استنادا إلى ما تقوله تقارير كليات الطب الإيرانية المتخصصة، خاصة أن البيانات المنشورة لا تتضمن إحصاءات من العاصمة طهران ومحافظة جيلان، وهما من أكثر المناطق تضررا، كما قالت وكالة «إيرنا» إن عدد الوفيات حسب السجلات الرسمية «غير معروف».
الحديث عن إدارة هذه الأزمة في إيران لا علاقة له بالشماتة كما قد يعتقد البعض، فالشعوب في الأخير هي من يدفع فاتورة سوء الإدارة وفشلها في مثل هذه الحالات، والأمر هنا يتعلق فقط بالاستياء من سياسات النظام لأنه يتسبب في إيذاء الشعب الإيراني بالأساس، ويكفي أن هناك مسؤولين إيرانيين كبار أصيبوا بالفيروس، منهم رئيس خدمات الطوارئ الطبية، بيرحسين كوليفاند، فضلا عن بعض أعضاء مجلس الشورى الإيراني (أظهرت الفحوصات إصابة 23 نائبا بالفيروس) ومسؤولين آخرين، ثم التسبب بإيذاء العالم، خاصة الدول والشعوب المجاورة، حيث تم الكشف عن عشرات الحالات المصابة المرتبطة بإيران في دول عدة بمنطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، جراء التقاعس منذ البداية في التفاعل الجاد مع الأزمة، ثم الإصرار على التعتيم حتى استفحال الوضع وصعوبة السيطرة عليه إلى أن انتهى الأمر باتخاذ إجراءات عشوائية تعكس حجم الارتباك الرسمي مثل الإفراج عن أكثر من 54 ألف سجين في محاولة لمكافحة انتشار فيروس كورونا الجديد في السجون المزدحمة.
عندما كان الرسميون الإيرانيون يتحدثون بثقة عن محدودية الإصابات بكورونا كانت مراسلة صحيفة «صنداي تايمز» ترصد الوضع في طهران وتصفها بأنها مدينة أشباح بسبب الخوف من انتشار الفيروس، وأن العطاس فيها بات يثير الفزع تماما مثل الصياح بلفظ «الله أكبر» في مترو نيويورك.
ومنظمة الصحة العالمية لديها مخاوف حقيقية من انتشار المرض في إيران وانتقاله لدول أخرى بوتيرة أكبر وأسرع، وتقول إن فيروس كورونا بات مترسخا في إيران، وإن خطره في البلد الذي يصل تعداد سكانه إلى 82 مليون نسمة، يفوق أي بلد آخر، لذا فقد أرسلت طائرة تحمل فريقا طبيا ومساعدات لإيران.
الأرجح أن حالة الإنكار التي عاشتها السلطات الإيرانية حتى موعد انتخابات مجلس الشورى الإيراني التي أجريت في 21 فبراير الماضي، كانت بسبب الخوف من فشل هذه الانتخابات وعزوف الناخبين عن التصويت، لذا فقد حرصت السلطات الإيرانية على إنكار وجود أي إصابات بفيروس كورونا، حتى إن بعض التقارير الإعلامية تنسب لشهود أطباء إيرانيين قولهم إنهم تلقوا تهديدات من الحرس الثوري بعدم الحديث عن وجود إصابات بفيروس كورونا.
تأخر الإعلان عن وجود إصابات تسبب بدوره في ضعف الوعي العام بخطورة الفيروس، فضلا عن التأخر في اتخاذ إجراءات الوقاية في المستشفيات، الأمر الذي أسهم في انتشار صامت للفيروس بين الإيراني، كما أن التعتيم الإعلامي الإيراني تسبب أيضا في حالة التهويل الخارجي حول الوضع هناك، مما تسبب في مضاعفة خسائر الاقتصاد الإيراني المنهك أصلا جراء العقوبات الأمريكية.
إدارة أزمة انتشار فيروس كورونا في إيران هي في حقيقة الأمر نموذج كاشف لسوء إدارة الملالي للبلاد، فالإحساس بالخطر ومنح أولوية مطلقة للمصلحة الوطنية مسألة غير واردة في حسابات هذا النظام، الذي غلب مصلحته في الحصول على إقبال جماهيري على التصويت على مصلحة عامة للشعب الإيراني، في وقت كان انتشار الفيروس يلوح فيه أمام الجميع.