قد يكون مصير الاتفاق النووي الايراني مرهون إلى حد ما بموعد انتخابات الرئاسية الايرانية التي ستعقد في الثامن عشر من يونيو عام 2021، وليس معنى ذلك بالضرورة أن يكون تأجيل الحسم هو مصير الاتفاق الحالي، بل من الوارد أن يكون تسريع الحسم أحد السيناريوهات المطروحة أمام الإدارة الأمريكية الجديدة تفادياً لما قد تأتي به هذه الانتخابات، التي تمثل منعطفاً حاسماً لنظام الملالي.
واقعياً، لم يتبق أمام الرئيس الايراني الحالي حسن روحاني سوى ستة أشهر فقط في منصبه، ولا يحق له الترشح لفترة رئاسية جديدة، وبالتالي فإن إيران تنتظر رئيساً جديداً في يونيو المقبل، وهو استحقاق بالغ الأهمية بكل المقاييس لأسباب عدة منها الظروف بالغة الصعوبة التي يعيشها نظام الملالي، سواء بسبب الضغوط الأمريكية القصوى التي طبقها الرئيس السابق دونالد ترامب ولا تزال مستمرة، أو بسبب الأزمات التي أوقع النظام نفسه فيها بالتدخل في دول عربية عدة منها سوريا والعراق واليمن، وعلاقاته المتوترة للغاية مع دول الجوار الخليجي، وتنامي احتمالية تعرضه لضربة عسكرية مفاجئة بسبب التهديدات الأمنية الاقليمية المتزايدة التي تفرزها السياسات التوسعية الايرانية، فضلاً عن انحسار شعبية النظام وتدهورها، حيث انعكس ذلك على الانتخابات البرلمانية التي جرت في فبراير الماضي، والتي شهدت أدنى نسبة إقبال تصويتي منذ اندلاع ثورة الخميني عام 1979 (حوالي 42% بالمائة)، وذلك بسبب المتاعب والمعاناة الاقتصادية وانهيار سعر العملة المحلية والتضخم غير المسبوق وغير ذلك.
يقول بعض المحللين أن إدارة الرئيس بايدن ستنظر بعناية بالغة للاستحقاق الانتخابي الايراني كأحد العوامل المؤثرة في موقفها بشأن الاتفاق النووي، إذ يتعين عليها في هذه الحالة أن تبني تقديراً دقيقاً لموقفها سوى بتشجيع نهج الرئيس روحاني من خلال تسريع العودة للاتفاق ومنح أفق جديد لمن يمضي على النهج، أو مواصلة سياسة الضغوط القصوى بانتظار الرئيس الايراني القادم، أو المراوحة بين إشارات الحل ومواصلة الضغوط من دون حسم واضح لموقفها. وفي النظر لهذه الجزئية علينا أن نقر بأن مفاصل السياسة الخارجية الايرانية هي بيد المرشد الأعلى علي خامنئي وليس الرئيس، وقد اثبتت التجارب أن المرشد يدعم ـ غالباً ـ المرشح الذي يرى أنه "رجل المرحلة" سواء كان محافظاً متشدداً أو أكثر قابلية للمرونة والتفاوض مع من تعتبرهم طهران أعداء لها، وبالتالي فليس مهماً هوية المرشح الأوفر حظاً للفوز بتلك الانتخابات، والأهم هو استشعار نوايا المرشد ذاته حيال رغبة الإدارة الأمريكية الجديدة في توسيع إطار الاتفاق النووي القائم وتضمين البرنامج الصاروخي ودور إيران الاقليمي.
فيما يتعلق بالمرشحين المحتملين للفوز بانتخابات الرئاسة الايرانية المقبلة، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة "ستاسيس" لصالح موقع "إيران واير" في اكتوبر الماضي أن 37% من الناخبين الإيرانيين سيصوتون للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، ولكن من الصعب البناء على مثل هذه النتائج لأن اجراءات الترشح وجواز المرور إليها الانتخابات يبقى بيد مجلس صيانة الدستور، أي بيد المرشد، ومن الوارد ألا يتم السماح لنجاد على سبيل المثال بالترشح، فضلاً عن أن هذا الاستطلاع لم يتضمن أي شخصيات من قادة الحرس الثوري المقربين من المرشد، ولاسيما حسين دهقان وزير الدفاع السابق في حكومة روحاني الأولى والمستشار العسكري الحالي للمرشد الإيراني، وبقية الذين يعتزمون الترشح للجولة الانتخابية المقبلة، حيث اقتصر الاستطلاع على أسماء شخصيات تقليدية مثل محمد باقر قاليباف، وسعيد جاليلي السكرتير السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الايراني، ورئيس البرلمان السابق علي لاريجاني، وجميعهم حصلوا على نسب لا تزيد عن 10% من ترشيحات المستطلعة أرائهم، ويبقى المؤشر الأهم في هذا الاستطلاع وهو أن 44% فقط من المستطلعين قد عبروا عن نيتهم الادلاء بأصواتهم في انتخابات الرئاسة المقبلة في يونيو، ما يعني أن انحسار الاقبال يمثل الشبح الأخطر الذي يهدد النظام، الذي يعتمد بشكل كبير على ارتفاع معدلات التصويت كرسالة تعزز موقفه خارجياً، باعتباره نظام مقبول شعبياً بغض النظر عن العيوب الخطيرة التي تشوب الآليات الانتخابية من حيث "فلترة" المرشحين لإحكام السيطرة والسماح فقط بتمرير من يحصل على ضوء أخضر من المرشد، الذي يريد حكومة "فتية وثورية" تقود البلاد في يونيو المقبل، وهي أوصاف لا تنطبق سوى على دهقان، الذي أعلن بالفعل استعداده لخوض الانتخابات المقبلة، واصفاً نفسه بأنه عنصر وطني وثوري يمتلك كل الامكانيات الفكرية والعقلية والتنفيذية لتحقيق أهداف ومصالح النظام والثورة".
الواقع يقول أن إدارة الرئيس بايدن لم تشر ـ حتى الآن ـ إلى أن موقفها من الاتفاق مرهون بأي متغير داخلي إيراني كالانتخابات الرئاسية وغير ذلك، ربما لثقتها بأن الأمر كله بيد المرشد الأعلى، ولكن المؤشرات قد تظهر في مارس أو ابريل المقبل حين تتكشف هوية المرشحين المحتملين للرئاسة الايرانية بشكل واضح، حيث يمكن للإدارة الأمريكية وقتذاك تحديد موقفها خلال الفترة الوجيزة المتبقية من حكم الرئيس روحاني، وهل ستنتظر انتهائها كما فعل روحاني نفسه مع الفترة الأخيرة من ولاية الرئيس ترامب حين انتظر قدوم رئيس أمريكي جديد، أم ستعجل بتوقيع اتفاق مع روحاني لتجنب تشدد رئيس جديد فضلاً عن محاولة التأثير في نتائج هذه الانتخابات ومنح المرشح الأكثر مرونة ـ بالنسبة للولايات المتحدة ـ أفضلية تصويتية تحول دون وصول مرشح موال للحرس الثوري أو التيار الأكثر تشدداً داخل إيران إلى كرسي الحكم، وخصوصاً أن ضعف معدلات الاقبال يعزز فرص فوز أي مرشح تابع للحرس الثوري، فضلاً عن أن تدهور الأوضاع المعيشية قد يقف حائلاً دون إحكام المرشد ورجاله قبضته على العملية الانتخابية، بل قد تدفعهم إلى السماح بفوز مرشح أكثر قبولاً من الناخبين لتجميل وجه النظام والسعي لرأب الصدع المتزايد بينه وبين الشعب الايراني، وحتى لا تتكرر ظاهرة العزوف التصويتي التي شهدتها الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
والخلاصة أنه رغم تشعب الظروف وتعقد البيئة السياسية المحيطة بمصير الاتفاق النووي الايراني، فإن الانتخابات الرئاسية الايرانية المقبلة قد تلعب دوراً مؤثراً في تحديد مسار هذا الاتفاق، لاسيما أن فوز مرشح متشدد سيعقد محاولات انقاذ الاتفاق النووي، وإذا اخذنا بالاعتبار أن الرئيس روحاني لن يكون متحمساً لتقديم تنازلات تفاوضية خلال المدة المتبقية من رئاسته، فإن معالم المسار المتوقع للاتفاق النووي الايراني قد لا تتضح تماماً سوى بعد انتخابات يونيو المقبل.