لا يمكن الاعتقاد بأن الرئيس الايراني حسن روحاني قد فوجىء بالآليات المتبعة في العملية الانتخابية الايرانية، التي تقوم على معايير تفرغها تماماً من محتواها وتجعل منها أشبه بعملية محاكاة رديئة للانتخابات كما تعرفها الأنظمة السياسية في العالم أجمع، ولكن مافوجىء به روحاني بشكل حقيقي هو مخرجات هذه الآليات والقدرة العالية لأجهزة النظام على الاقصاء والتهميش.
ماحدث أن مجلس صيانة الدستور في نظام الملالي، وهو في حقيقة الأمر "الفلتر" السياسي المخول "غربلة" مرشحي الانتخابات جميعها سواء كانت خاصة بمجلس الشورى، أو الرئاسة، أو مجلس الخبراء، وقد استحدث هذا المجلس الفريد لضمان هيمنة الملالي واستمرار قبضتهم على جميع مؤسسات الحكم، مع محاولة خداع العالم بأن لديهم نظام انتخابي تنافسي حقيقي! قام هذا المجلس باستبعاد جميع مرشحي التيار المعروف بالاصلاحي، أو الذي تمتلك عناصره رؤى ووجهات نظر ومواقف وآراء وتوجهات مغايرة لتلك التي تهيمن على فكر التيار المتشدد او المحافظ، وهما تياران، ما اثار حفيظة الرئيس الايراني حسن روحاني الذي انتقد قرار المجلس وقال "إن هذا القرار يقوض دور الناخبين في انتخابات ديمقراطية"!
اللافت أن الرئيس روحاني أشار في تصريحه إلى أمر مهم للغاية حين قال "إن الانتخابات حدث مهم، لا يتعلق فقط بحضور المواطنين إلى صناديق الاقتراع كما يحدث في انتخابات مجالس الشورى، وإنما يتعلق باختيار شخص يكون رئيسا لكل أبناء الشعب وممثلا لهم جميعا"، وهذا يشير بوضوح إلى أن انتخابات "الشورى" أو البرلمان الذي يزعج العالم بإصدار قوانين وتشريعات في إطار دوره المرسوم ضمن لعبة "توزيع الأدوار" التي يجيدها بمهارة نظام الملالي، ليست هذه الانتخابات سوى محاولة لتصدير صورة الالتفاف الشعبي حول النظام إلى العالم! فالمسألة كما اعترف روحاني نفسه تتعلق بحضور الناخبين وليس بعملية الانتخابات ومخرجاتها!
المهم أن مجلس صيانة الدستور قد قام بعملية تصفية تامة لقوائم المرشحين واستبعد أكثر من 98% ممن تقدموا للترشح، وأيد فقط "أهلية" سبعة مرشحين من إجمالي 529 مرشحاً تقدموا بأوراق الترشيح، مادفع الرئيس روحاني ـ في سابقة غير معهودة ـ إلى دعوة المرشد لعلي خامنئي مراجعة قرار مجلس صيانة الدستور، وهو أمر لم يكن متوقعاً، رغم وقوع بعض المراقبين في فخ التكهن بامكانية استجابة المرشد لدعوة روحاني، فالمجلس لم يكن ليصدر القائمة النهائية لمرشحي انتخابات الرئاسة الايرانية في هذه المرحلة بالغة الحرج والحساسية من تاريخ إيران، حيث مصير النظام برمته على المحك، من دون الرجوع إلى المرشد، الذي يعين أعضاء هذا المجلس ويمسك بتلابيب المؤسسات كافة رغم مايبدو بينها من صراعات شكلية.
الحقيقة أن استبعاد شخصيات وأسماء مثل علي لاريجاني، الذي شغل منصب رئيس مجلس الشورى الايراني لمدة 12 عاماً، وكذلك الرئيس الأسبق احمدي نجاد، لا ترتبط بانتماء هؤلاء وغيرهم من المستبعدين إلى "الثورة" والمبادىء التي وضعها زعيمها الخميني، ولكنها ترتبط أساساً بما يمكن اعتباره اختيار المرحلة، فمجلس صيانة الدستور الذي يتكون من لجنة من الفقهاء ورجال الدين الذين يعينهم المرشد بهدف ضمان تحقيق مبادىء الثورة التي قامت عام 1979، ينفذ في الأخير سياسات وتوجيهات المرشد، ويدرك ضرورة افساح المجال الانتخابي أمام رجل المرحلة الذي يختاره المرشد، وهو ما يٌلاحظ في اقصاء أي مرشح يمكن أن يكون منافساً صعباً لإبراهيم رئيسي رئيس السلطة القضائية، الذي سبق له الترشح وخسارة انتخابات عام 2017 في مواجهة الرئيس الحالي حسن روحاني.
ماقام به مجلس صيانة الدستور يشير بوضوح إلى رغبة صارمة لدى المرشد خامنئي إلى "هندسة" عملية الانتخابات الرئاسية بشكل أكثر دقة من قبل، وبما يضمن وصول "الشخص المفضل" إلى كرسي الرئاسة، لاسيما أن التوقعات جميعها ترشح رئيسي لخلافة المرشد خامنئي، ما يعني أنه يحظى بثقة الأخير ودعمه القوي، لدرجة استبعاد أسماء وشخصيات ذات ثقل مثل إسحاق جهانجيري، نائب الرئيس حسن روحاني، ومصطفى تاج زاده، الذي كان مسؤولاً في عهد الرئيس الأسبق محمد خاتمي، باعتبار أنهما محسوبان على ما يعرف بالتيار الاصلاحي، وأن هناك احتمالية كبيرة لحشد أصوات الناخبين لمصلحتهما، ومن ثم كان الاقصاء هو السيناريو الوحيد لاستبعاد شبح هزيمة "مرشح المرشد"!
السؤال هنا: هل تفلح محاولات المرشد ومؤسساته في اقناع الناخبين بالتصويت لمصلحة مرشح معين أم أن صناديق الاقتراع قد تحمل مفاجأة جديدة لخامنئي رغم كل محاولات تهميش المنافسين واختيار الأقل قدرة على المنافسة.