يرى الكثيرون ان إستضافة قطر لبطولة كأس العالم 2022، قد أسهمت في دعم تعزيز الصورة الذهنية لقطر دولياً، ويعتقد هؤلاء أن دقة التنظيم وحداثة المنشآت الرياضية والبنية التحتية القطرية قد أبهرت متابعي اللعبة الشعبية الأولى عالمياً، والتي يقدر متابعيها بنحو 5ر3 مليار شخص أي نحو نصف سكان العالم تقريباً. ومن خلال متابعة ردود الأفعال والتقارير الإعلامية، يمكن القول بأن ماسبق كله صحيح تماماً أو ينطوي على قدر كبير من الصحة ولكن هناك على خلفية هذا الواقع موضوع قديم/ جديد في غاية الأهمية بالنسبة لعلاقات قطر الغربية على الأقل خلال المدى المنظور، وهو موضوع الشكوك والملابسات التي تحيط بحصول قطر على ملف استضافة البطولة من البداية.
الكل يعرف أن السنوات الأثنا عشر التي سبقت تنظيم فعاليات البطولة الدولية، أي منذ فوز قطر بالتنظيم في عام 2010، وهناك شكوك وتحقيقات بعضها لم يغلق بعد بشأن شبهات قانونية حول الملف القطري وماحدث قبل التصويت، ولكن الحقيقة أن معظم هذه التحقيقات والمزاعم لم يعد لها تأثير يذكر بعد إنعقاد الحدث فعلياً، حيث كانت المخاوف القطرية قبل أشهر من الآن تتمحور حول إمكانية سحب التنظيم واسناده إلى دولة أخرى.
هناك عوامل عدة لعبت دوراً مهماً في إخماد حملة الإنتقادات التي تعرضت لها قطر على خلفية الشبهات والمزاعم بشأن عملية التصويت، وأبرزها، برأيي، تفشي وباء كورونا منذ عام 2020، وانشغال العالم أجمع بتداعيات هذه الكارثة، التي تعاني إقتصادات جميع دول العالم تقريباً تداعياتها السلبية حتى الآن، حيث أسهمت تغيرات البيئة الدولية وإجراءات الإغلاق العام خلال العامين الماضيين في إنحسار موجة الإنتقادات ضد قطر تماماً، ولاسيما في ظل صعوبة التفكير في أي بديل لقطر خلال تلك الفترة، وجاء التنظيم القطري والإنفاق السخي للغاية على البنى التحتية وغيرها ليدفع الإنتقادات إلى زاوية الصمت ولو خلال الفترة الحالية، حيث تفوق منسوب الإعجاب بالتنظيم القطري على أي أفكار أخرى تتعلق بانتقاد قطر من أي زاوية كانت.
الواقع يقول أن التنظيم القطري للبطولة قد فاق التصورات والتوقعات، على الأقل لما ينتظره العالم والمنطقة من قطر في ظل المقارنات المستمرة بينها وبين النسخ السابقة من بطولة كأس العالم لكرة القدم، والواقع أيضاً يقول أن قطر قد نجحت في تجاوز الإختبار بجدارة، وحصدت نقاط إضافية تفوق توقعاتها، ولم تكن تضعها بالحسبان، مثل الإصطفاف العربي التلقائي بسبب نجاحات المنتخبات العربية في تحقيق نتائج جيدة للغاية خلال هذه النسخة من البطولة، ويأتي في مقدمة ذلك بالطبع وصول المنتخب المغربي للدول قبل النهائي، وفوز المنتخب السعودي على الأرجنتين، والمسألة هنا لا تتعلق بالنتائج فقط بل بأداء معظم المنتخبات العربية والذي منح للتنظيم القطري طابعاً استثنائياً وجعل من الإستضافة محطة مهمة في الذاكرة التاريخية لبطولات كأس العالم.
وسط كل ماسبق تفجّرت فضيحة فساد داخل البرلمان الأوروبي، تردد فيها اسم قطر بقوة، حيث صادق البرلمان بشبه إجماع على إقالة نائبة الرئيس ايفا كايلي، من منصبها بسبب فضيحة فساد يشتبه بأنها على صلة بقطر، وصوت أعضاء البرلمان بنسبة كاسحة تبلغ 625 صوتاً من أصل 628 صوت لإقالة كايلي، وهي واحدة من ستة أشخاص أوقفوا في إطار التحقيقات المرتبطة بشبهة الكسب غير المشروع، حيث يشتبه في تلقيهم أموالاً للدفاع عن مصالح الدوحة داخل المؤسسة الأوروبية.
رسمياً، نفت قطر هذه الإتهامات بشدة، ولكن الملف لن يغلق بإقالة نائب رئيس البرلمان الأوروبي لأن الفضيحة تهدد بقوة مصداقية البرلمان الأوروبي بأكمله، وهو البرلمان الذي يوجه انتقادات دائمة لدول العالم شرقاً وغرباً على خلفية ملفات أبرزها الفساد وحقوق الانسان وغير ذلك! وفي هذا الإطار لفت انتباهي تصريح لعضو فرنسي في البرلمان الأوروبي هو جوردان بارديلا، قال فيه إن "الإتحاد الأوروربي فرض نفسه قاضياً اخلاقياً على جميع دول العالم وهاهو فاسد مفترض في اعلى مستوياته بأموال دولة إسلامية"، ورغم أن ربط الفساد المفترض بكلمة "إسلامية" ليس غريباً بحكم إنتماء العضو لليمين الأوروبي المتطرف، ولكن التصريح نفسه ينطوي على حقيقة أن البرلمان الأوروبي قد سقط في هذه الحادثة سقطة شنيعة قد تحتاج إلى سنوات طويلة لإعادة بناء الثقة، بغض النظر عن هوية الدولة التي تورط في هذا الأمر.
المعضلة أيضاً أن آثار عدم الثقة وفضيحة الفساد قد لا تقتصر على البرلمان الأوروبي، بل يمكن أن تمتد إلى خارج أسواره وتطال بقية مؤسسات الإتحاد الأوروبي الذي يعاني من الأساس أزمة سواء بسبب الإنقسام الحاصل حول التعاطي مع أزمة أوكرانيا وتداعياتها، أو بسبب صعود أحزاب اليمين المتطرف في دول أوروبية عدة ومطالبتها بالانسحاب من الإتحاد على غرار سيناريو "بريكسيت" البريطاني.
فضيحة الفساد داخل البرلمان الأوروبي هي بالتأكيد ضربة قوية لمصداقية المؤسسة البرلمانية نفسها، وتطال ـ كما أسلفنا الإطار المؤسسي الأوسع، وهو الإتحاد نفسه، ولكن آثارها قد لا تقتصر على ذلك فالتحقيقات لا تزال في بدايتها، والتوصل إلى أدلة وحقائق حول الشبهات المزعومة بشأن إرتباط قطر بالموضوع قد تؤثر في علاقات قطر الأوروبية، وهامش تحركات الدوحة على النطاق الدولي، لاسيما في الغرب، وما يحد من ذلك بشكل ما هو تعطش الأسواق الأوروبية للغاز القطري، في ظل إستمرار أزمة امدادات الغاز الروسي منذ نشوب أزمة أوكرانيا، ناهيك عن قدرة قطر نفسها على الإستفادة من أوراق الضغط التي تمتلكها لاسيما بعد "تحررها" من القلق والمخاوف المرتبطة باحتمالية سحب ملف تنظيم بدولة كأس العالم، والدعم الذي حصلت عليه صورتها الذهنية عالمياً خلال انعقاد البطولة.