اعرف، بحكم خبرتي البحثية، الدوافع والأسباب والأبعاد الاستراتيجية التي تقف وراء تحرك السلطان أردوغان في ليبيا وإصراره على توريط الجيش التركي في مستنقع يبعد عن حدود بلاده بآلاف الأميال، ولكني طالعت مؤخراً تقريراً إعلامياً تركيا يمكن وصفه بانه نموذج مثالي لشهادة شاهد من أهلها على نوايا السلطان أردوغان!
التقرير أوردته وكالة أنباء "الأناضول، واستعرضت فيه كنوز ليبيا من موارد طبيعية وثروات، حيث ذكرت أن بعدد سكانها المحدود، تملك احتياطات هامة من معادن وخامات بعضها نادر، وهي في حاجة إلى استتثمارات كبيرة وتقنيات متطورة للاستفادة منها.
قالت "الأناضول" في تقريرها المنشور على موقعها إن ما تزخر به ليبيا من ثروات طبيعية كان سبباً "منذ القدم لجعل هذا البلد محل أطماع دولية"، وكأن السلطان قد دفع بمرتزقته وميلشياته وقواته وعتاده إلى ليبيا من أجل الدفاع عن هذه الثروات وحمايتها حرصاً على مصالح الشعب الليبي وليس رغبة واضحة في نهب هذه الثروات والاستفادة منها واستغلالها في انقاذ الاقتصاد التركي المتداعي!
يقول التقرير إن ليبيا "ليست مجرد صحراء شاسعة جنوب البحر المتوسط لا تنتج سوى النفط وقليل من الغاز كما يعتقد البعض، بل تملك ثروات معدنية هامة لكنها في أغلبها غير مستغلة، على غرار الذهب واليورانيوم والحديد الخام وغيرها من المعادن"، ورصدت أن هذا البلد يزخر كذلك بـ"احتياطات منجمية هامة خاصة من الجبس والحديد، اللذين يدخلان في تصنيع عدة مواد متعلقة بالبناء، على غرار الحديد الصلب، والأسمنت والزجاج، والسيراميك". وأوضح التقرير الاعلامي التركي أن ليبيا بما مرت به من اقتتال في عام 2011، وما عانته من حصار اقتصادي دولي قبل ذلك "تحتاج إلى إعادة إعمار واسعة، خاصة وأنها بلد مصدرة للنفط والغاز، وتمتلك احتياطات هامة بالعملة الصعبة، بالإضافة إلى مصانع للحديد والصلب وأيضا للأسمنت، ناهيك عن مناجم خام الحديد والجبس ورمال السيليكا"، مشيرة إلى أن إعادة الإعمار في هذا البلد لا تتطلب إلا "توفر حد أدنى من الأمن"، ما يعني بوضوح ومن دون مواربة أن السلطان قد ذهب إلى ليبيا بغية نهب الثروات وتوفير فرص عمل للشركات التركية المفلسة بسبب العزلة التركية الناجمة عن سياسات أردوغان!
يبدو التقرير في بعض مقتطفاته وكأنه دراسة جدوي أو منقول من دراسة جدوى تم إعدادها خصيصاً لاقناع البعض أو لتبرير بعض دوافع الخطوة التركية باتجاه ليبيا، حيث وضع التقرير ما يشبه الخطة التي تبدأ باستعادة الاستقرار في ليبيا، ثم "استقطاب الشركات الدولية ذات الخبرة لإعادة إعمار ما دمرته الحرب، بالتوازي مع ذلك فتح الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي، والتركيز على قطاعات الكهرباء والبناء والأشغال العمومية، في المرحلة الأولى، بالنظر إلى أهمية تشييد البنية التحتية التي يقوم عليها اقتصاد الدولة". وينقل التقرير عن وكالة الطاقة الأمريكية، أن مخزونات النفط الصخري الليبي "رفعت احتياطات البلاد من 48 مليار برميل إلى 74 مليار برميل مما يجعلها الأولى عربياً من حيث احتياطات النفط الصخري والخامسة عالميا، بعد روسيا والولايات المتحدة والصين والأرجنتين"، واللافت هنا أن تقرير الأناضول يشير إلى أن مخزونات هذا النفط الصخري تواجد في شمال غربي ليبيا وفي جنوبها الغربي، وهي مناطق تمركز الأطماع التركية المتواطئة مع حكومة السراج!
التقرير يتضمن أرقام واحصاءات لافتة حول احتياطات الغاز الليبي وموقعها وترتيبها أفريقياً بالنسبة للدول المنتجة للغاز، وأيضاً احتياطات خام الحديد واليورانيوم متهماً فرنسا بأنها تطمع في هذا المخزون! ومحذراً من نهب الذهب الليبي والعناصر النادرة في التربة (تدخل في صناعة الخلايا الضوئية والهواتف الذكية) قرب مثلث الحدود الليبية مع مصر والسودان.
هذا التقرير الاعلامي التركي هو بحد ذاته شهادة على نوايا الغزو التركي للأراضي الليبية وأهدافه الحقيقية، فضلاً عن رغبة دفينة تحركه في غرس نظام ليبي موالي يمثل شوكة في خاصرة الدولة المصرية، فهذا التقرير قد بث بهدف لفت الانتباه إلى أهمية ليبيا استراتيجياً، وتبرير اهتمام تركيا بالدفاع عنها، ولكنه يمثل بالمقابل وثيقة إدانة كاشفة لأطماع أردوغان في ثروات الشعب الليبي.