نشرت مجلة "بوليتيكو" الأمريكية مؤخرًا تقريرًا تناولت فيه ما وصفته بتراجع أداء الحملة الانتخابية للرئيس دونالد ترامب، معتبرة أن هدف الحملة بات يتمحور حول الابقاء على فرص الرئيس في دائرة المنافسة بعد أن كانت تظهر سابقًا ثقة مفرطة في فوزه بالسباق الانتخابي في نوفمبر المقبل، ونقل التقرير عن مصادر داخل الحزب الجمهوري قولها إن الأيام التي كان الحزب يتوقع فيها انتصارًا كاسحًا قد ولّت، وأن فريق الرئيس يحاول إعادة النظر في التوقعات بناء على تقليل هامش الخسارة.
الشواهد على أرض الواقع تشير إلى صعوبة موقف الرئيس ترامب بالفعل في الانتخابات المقبلة، ففريق الحملة الذي كان يعمل وسط أجواء مريحة، بات يحسب النقاط بدقة شديدة، للتأكد من الفوز في الولايات التي تضمن للرئيس الحصول على 270 صوتًا بالمجمع الانتخابي (أي النصف زائد واحد على الأقل من مجمل أصوات أعضاء "المجمع الانتخابي" البالغ عددهم 538 مندوبًا).
استطلاعات الرأي من جانبها تعكس مأزق الرئيس ترامب، الذي يعاني تراجعًا نسبيًا في شعبيته مقارنة بمنافسه الديمقراطي جو بايدن، الذي بات يتقدم بنحو 10ـ 14 نقطة، منذ بداية أزمة تفشي وباء "كورونا"، وأحداث تشارلوتسفيل وعمليات إطلاق النار الجماعية، والإصلاح الضريبي، وتقرير المستشار الخاص روبرت مولر ومساءلة ترامب أمام الكونجرس، ثم جاءت سلسلة الكتب التي أصدرها مستشاره السابق للأمن القومي جون بولتون وابنة أخيه لتكمل حلقة التراجع والتأثير سلبًا في شعبيته، الذي يتضح بشكل قوي في تعادل أو تقدم بايدن في بعض استطلاعات الرأي في ولايات سبق أن فاز بها الرئيس ترامب بفارق مريح عن منافسته الديمقراطية هيلاري كلينتون في انتخابات عام 2016.
هناك بطبيعة الحال أمر يتعلق بتأثير الصورة الذهنية السلبية للرئيس ترامب بسبب ما ورد من انتقادات في كتاب جون بولتون المستشار السابق للأمن القومي الأمريكي، وأيضًا كتاب ابنة شقيق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي يتضمن تفاصيل بشأن التعامل السيء في الأسرة، التي كان يرعاها فريد والد ترامب، والتي شكلت شخصية "رئيس فارغ عاطفيا يمثل تهديدا للبلاد"، بحسب ما نقلت الصحف الأمريكية عن كتاب "كثير للغاية ولا يكفي أبدا: كيف صنعت عائلتي أخطر رجل في العالم" المرتقب نشره بعد أيام؛ حيث نقلت شبكة "سي إن إن" عن كتاب ماري ترامب قولها في كتابها "إن دونالد دمر والدي، بعدما حذا حذو جدي وبتواطؤ وصمت وتقاعس من إخوته. ولا يمكنني السماح له بتدمير بلادي"، وصفها للعم بأنه "محتال ومتنمر"، وكتبت ماري، الحاصلة على درجة الدكتوراه في علم النفس الإكلينيكي، تقول عن عمها: "الوضع هنا يفوق أنواع النرجسية المعروفة. ودونالد ليس ببساطة شخصية ضعيفة، لكن غروره بنفسه هش، ولذلك يجب تدعيمه كل حين، لأنه يعلم في داخله أنه لا يملك أي شيء مما يدعيه"، ولا شك أن محتوى كل هذه الكتب يمثل مادة خصبة للهجوم على الرئيس ومحاولة الحد من فرص إعادة انتخابه، ولكن يبقى تأثير ونتائج هذا الهجوم من المنافسين مرهون بالوضع العام في البلاد، اقتصاديًا وسياسياُ وأمنيًا وصحيًا.
المعضلة الأكبر التي تواجه اعادة انتخاب الرئيس ترامب ـ برأيي ـ تكمن في الرئيس ذاته، الذي يصر على التمسك بنهجه وأسلوبه في العمل والقيادة، ولا يسعى إلى إحداث تغيرات تكتيكية لجذب شريحة من الناخبين، وهذا يعني ثبات الفارق الحالي في استطلاعات الرأي ما لم يحدث تحولًا نوعيًا فارقا في اتجاهات التصويت سواء بسبب انجاز اقتصادي أو بسبب ظروف طارئة قد تستدعي دفع الناخبين إلى الخوف من المغامرة بالتغيير في توقيت حساس بالنسبة للبلاد، مثل خوض الولايات المتحدة حربًا أو صراع عسكري مع دولة أجنبية، أو ارتكاب منافسه الديمقراطي خطأ سياسي يمكن استغلاله من جانب حملة ترامب، أو تورط المنافس في فضيحة قد تتسبب في تداعي فرص فوزه بالانتخابات.