في القانون الدولي هناك ما يعرف بالحقوق الأساسية للدول، وجميع الدول تتمتع بهذه الحقوق باعتبارها لصيقة بوجودها وأساساً من أسسه، وهذه الحقوق هي التي توفر للدول مقومات "الشخصية الدولية"، وبالتالي فهي غير قابلة للالغاء ولا يمكن التنازل عنها، ومن أبرز هذه الحقوق "حق السيادة"، الذي يعني سلطة الدولة على اقليمها بما فيه من أرض وشعب وموارد، والحفاظ على السيادة حق مطلق للدول تنظمه القوانين والمواثيق والأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة، وللدول مطلق الحرية في ممارسة حق السيادة ما لم تسىء أو تضر بالحقوق السيادية للدول الأخرى، وأن تكون ممارسة حقوق السيادة انطلاقاً وارتباطاً بنصوص القانون الدولي وقواعده وبما تنص عليه تعهدات الدول والتزاماتها الواردة في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي توقع عليها.
ولأن المقدمة السابقة تعتبر إشارة ارتأيت أنها لازمة للقواعد التي تحكم العلاقات الدولية، فإنني أوردتها لارتباطها بسلوكيات الأنظمة التي لا تكف عن التدخل في شؤون الدول الأخرى ليس فقط باستخدام القوة الخشنة أو العسكرية، ولكن أيضاً من خلال منطق الهيمنة والوصاية المرفوض جملة وتفصيلاً في العلاقات الدولية، القائمة على الندية والتعاون ومراعاة المصالح المشتركة وحسن الجوار.
لذا استغرب للغاية حملة الهجوم اللفظي الممنهجة التي يشنها نظام الملالي الايراني وكذلك النظام التركي ضد دولة الامارات على خلفية القرار السيادي الاماراتي باقامة علاقات مع اسرائيل؛ فالرئيس الايراني الذي كان يتحدث قبل أيام قلائل عن دور إيراني الايجابي في منطقة الخليج العربي وأنها قدراتها العسكرية تمثل قيمة مضافة لجوارها الاقليمي، تخلى فجأة عن هذا الحديث وتمترس وراء نهج الوصاية والغطرسة الذي يمثل الأساس في فكر الملالي ورؤيتهم لجوارهم الجغرافي الخليجي والعربي، وقال إن دولة الامارات ارتكبت "خطأ فادحاً" بإقامة علاقات مع إسرائيل، وأضاف "نأمل أن يعودوا من هذا الطريق ونحذرهم من فتح الباب لإسرائيل في هذه المنطقة"، وتابع روحاني "في رأينا، هذا الفعل خاطئ، وخاطئ، ومدان" ويمثل خيانة للشعب الفلسطيني وللمسلمين والقدس.
الخارجية الايرانية من جانبها، اعتبرت الاتفاق الاماراتي الاسرائيلي "حماقة استراتيجية من جانب أبوظبي وتل أبيب، ستكون حصيلتها بلا شك تقوية محور المقاومة في المنطقة"، بينما اتهم رئيس مصلحة تشخيص النظام في إيران والقائد السابق للحرس الثوري محسن رضائي بخيانة الشعب الفلسطيني، وقال "لا يمكن لمجاهد إسلامي ولا عربي فخور أن يخون فلسطين. فقط الجبناء يطعنون في الظهر"، بينما غرد الناطق باسم مجلس صيانة الدستور الإيراني عباس علي كدخدائي قائلاً "إن هذه الخطوة تعني أن إسرائيل تحتل الامارات"!
في تركيا، أعلن السلطان رجب طيب اردوغان أنه يدرس قطع العلاقات مع دولة الامارات بسبب الاعلان عن اتفاق اقامة العلاقة مع إسرائيل رغم أن تركيا تربطها اتفاقات شراكة استراتيجية مع اسرائيل منذ أكثر من عقدين من الزمن!
فتركيا هي أول دولة ذات أغلبية إسلامية تعترف بإسرائيل، إلا أن النظام التركي يتخذ من القضية الفلسطينية مطية للتقارب مع العالمين العربي والاسلامي، ويستخدم في ذلك خطاباً لفظياً حاداً في ظاهره تجاه إسرائيل، لكنه يحرص على ابقاء كافة قنوات التعاون والمصالح الاستراتيجية قائمة بين الطرفين.
معضلة النظامين، الايراني والتركي" تكمن في عقدة تضخيم الذات التي امتلكت قادة البلدين واندفاعهما لتنفيذ مشروعات توسعية استعمارية الطابع، أحدهما يتخذ وجهاً طائفياً في الحالة الايرانية، والآخر وجه استعماري تقليدي يحاول استحضار رياح الماضي الكارثي، في علاقات العثمانيين بالشعوب العربية.
المحرك للنوايا والمحاولات التسلطية الايرانية التركية على قرارات دول المنطقة، التي يسعى قادتها من خلالها إلى الحفاظ على المصالح الاستراتيجية لهذه الدول من خلال قرارات ذات طابع سيادي وتندرج ضمن ممارسة شؤون السيادة، وعبر بناء شبكة تحالفات وعلاقات تعاونية مع أطراف اقليمية ودولية ، المحرك لذلك هو نزعة الهيمنة والتسلط التي تحكم ملالي إيراني والسلطان التركي، وهي نزعة تتجاوز القانون الدولي وقواعد حسن الجوار، وتعكس معضلة هذه الأنظمة التوسعية في فهم حق الدول في ممارسة سيادتها الوطنية طالما لم تضر أو تسىء لمصالح الدول الأخرى.
لا يكف ملالي إيران والسلطان التركي عن ممارسة منطق الهيمنة والوصاية على بعض الدول الجوار العربي، بمختلف أدوات الضغط والإرباك التي تمتلكها الدولتين، ولكن الامارات لديها، قيادة وشعباً، من الثقة بالذات الوطنية والرغبة في الاستفادة من كل الفرص المتاحة لتوثيق التعاون البحثي والعلمي وتبادل الخبرات مع كل الدول، ما يجعلها تمضي من دون أن تلقي بالاً لمثل هذه المواقف العبثية التي تجافي العقل والمنطق والقانون الدولي.