وسط حملة ممنهجة معروفة المصدر والتمويل والأهداف، للهجوم على دولة الامارات ومملكة البحرين بسبب اتخاذهما قراراً سيادياً بشأن اقامة علاقات رسمية مع اسرائيل، يذهب البعض من أبواق هذه الحملة إلى تجاوز الكثير من الخطوط الحمراء وتوجيه الشتائم والسباب لدولة الامارات تحديداً بسبب ما نعرفه جميعاً من كراهية وحسد وعداء تكنه بعض النخب العربية للتجربة الرائدة والنموذج الاماراتي الفريد في التنمية.
الغريب أن بعض النخب العربية لا تزال تعتقد أن السياسة وفنون الدبلوماسية والحكم بعيدة عن العواصم الخليجية التي يشهد الجميع لقادتها وفي مقدمتهم المغفور به بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ـ طيب الله ثراه ـ بالحنكة السياسية والاتزان والحكمة والوعي وامتلاك رؤية استراتيجية فطرية ثاقبة، بل ونجد من بين هؤلاء من ينكر على الدول العربية التي خاضت حروباً مصيرية من أجل القضية الفلسطينية وضحت بدماء أبنائها دفاعاً عن هذه القضية العادلة، ينكر عليها دورها التاريخي ولا يرى في التضحيات الكبيرة والأثمان الباهظة التي دفعتها، قبل أن تبلور مقاربة استراتيجية أخرى للتعاطي مع الصراع وتجنح للسلام مع إسرائيل وتتفرغ للتنمية من دون أن تتخلى عن الشعب والقضية الفلسطينية، حيث لا تزال القضية أولوية قصوى للعرب جميعاً حتى وإن اختلفت المقاربات التكتيكية بحثاً عن مخارج وبدائل تؤدي إلى تسوية سياسية بعيداً عن الشعارات والمزايدات والتهويل والتهوين.
ولاشك أن أي قرار أو موقف سياسي لدولة أو قيادة ما يمكن أن يكون محل أخذ ورد وجدل وسجال، فهكذا السياسة مواقف وتصورات تعتمد على معطيات كل طرف وتفسيره وفهمه لحركة التاريخ ومساراته وتحليله للواقع وقدرته على استشراف المستقبل، ولكن لا يمت للسياسة بصلة كل حديث يزعم الغضب من أجل قضية عادلة ويذهب إلى حد إنكار وجود دول من الأساس لمجرد أنها تتخذ قراراً سيادياً يتلائم ومصالحها الوطنية وتلبي من خلاله مسؤولياتها القومية تجاه قضية شعب يدفع ثمناً باهظاً للحروب الكلامية والغارات الوهمية وادعاءات البطولة التي يروج لها رواد الفنادق الفاخرة من قادة تنظيمات وميلشيات يجيدون رسم الخطط والسياسات في ظل رعاية أعداء العرب والعروبة من رعاة الفتن وممولي تنظيمات الارهاب والتطرف في منطقتنا الخليجية والعربية.
ذهب التطاول بأحد هؤلاء من كارهي الخليج وشعوبه إلى حد وصف دولنا بـ "دول المصادفة" وقادتنا ب" حكام المصادفات القدرية"، مدعياً أن هذه الدول ثرية بالصدفة وأنها تلعب أدواراً كبيرة في ظل غياب "دول القرار" العربي، ما يعكس مساحات الوهم والخداع التي يعيشها بعض أصحاب الكلمة الذين لا يقدّرون مسؤولية ما يكتبون، ولا يقدرون على قراءة حركة التاريخ ولا يفهمون مساراته، فدولة الامارات لم تعد تلك الدولة التي تسكن خيالاتهم المريضة، وبالتأكيد هم لا يعرفون مايدور من حولهم ولا يدركون حجم التحولات الاقتصادية والتقنية والتنموية التي تشهدها الدولة، وما تمتلك من طموحات ترقى بها إلى حد التنافسية العالمية في مؤشرات التنمية كافة.
نوعية الكتّاب هذه من ضحايا شعارات مرحلة الخمسينيات يكنون مشاعر كراهية عميقة لدول الخليج العربية بغض النظر عن مسألة تطبيع العلاقات مع اسرائيل أو غيرها، فلا يظن أحداً أن في قلوبهم عشق أبدي للعواصم العربية المركزية كما يحلو للبعض أن يسميها، ففي مقالاتهم الحديثة والقديمة عشرات الأدلة والبراهين على تلك النظرة العنصرية الاستعلائية التي ينظرون بها لدول مجلس التعاون، وإن كان بعضهم لا يتردد في نيل مايتمنى من تلك الدول حين تحين الفرص لذلك، من دون أن يتخلى عن مشاعر الكراهية ولو لوهلة بسيطة، بينما يظل الآخرون على مواقفهم اعتقاداً منهم بأنهم الوحيدون القادرون على فهم مايدور من حولهم رغم أن الحقيقة الساطعة تشي بأنهم الوحيدون الذين أصابهم عمى الأفكار والقلوب بسبب تراكم الغل والحسد تجاه الخليج وشعوبه وقادته.
إن هذه النظرة الاقصائية تجاه الخليج، والتي يتمسك بها بعض الكتّاب العرب القدامي هي أمر غريب ولكن يمكن تفسيره في ظل حالة الانكار التي يعيشونها، فهم ضحايا لسنوات من الكذب والخداع والخطاب التعبوي الذي ظلوا يرددونه كذباً ثم مالبثوا أن صدقوه ووقعوا فريسة سهلة لأكاذيبهم حتى أصبح وجودهم وحياتهم ذاتها مرهونة بمواصلة التسليم بما يتصورون!
ونصيحتي أن يكف المتاجرون بالقضية الفلسطينية وبمعاناة الشعب الفلسطيني عن الزيف وخداع الذات، وأن يدركوا حقيقة مايحدث من حولهم، فليس هناك من يصدق أي مهاترات تنكر دور دول مجلس التعاون في المشهد العربي والدولي الراهن، ولم يعد هناك من يتخذ التاريخ معياراً للحكم على مستقبل الشعوب، فاليوم هو نتاج عمل الأمس، والغد يرسمه الطموح والعمل والانجاز، والنفط وإن كان أساساً لانجازات الحاضر، فقد أصبح الاحتفاء بطي صفحته ومغادرة آباره طموحاً وعدت قيادتنا الرشيدة بالاحتفاء به.
لا عزاء لهؤلاء الحاقدين، فالامارات دولة وقيادة وشعباً وفياً تسكنه قيم زايد الخير والعطاء، ولا تنكر على أشقاء عرب دورهم وريادتهم وحضارتهم العتيدة، ولا تنكر كذلك قدرتهم على استعادة أمجاد دولهم وتتفهم أسباب الواقع المتعثر وتبذل كل جهد ممكن في الخروج منه، فكل قوة عربية هي قيمة مضافة لقوة العرب في مواجهة التحديات والتهديات المصيرية، فما للحقد والحاقدين من مكان بين الامارات وأشقائها العرب.