- كنت أود ألا اكتب في السياسة خلال شهر رمضان، على الأقل كي أريح رؤوس القراء من صداع السياسة ومشاكلها التي لا تنتهي، لاسيما في منطقتنا العربية، ولكن الحقيقة هي أن السياسة باتت تلاحقنا في منطقة تتنفس المشاكل وتصحو وتنام عليها، فرغم أننا استبشرنا خيراً بما انتهت إليه القمة الإسلامية ـ الأمريكية، وبداية عهد توافق جديد بين الطرفين في مواجهة الإرهاب، باعتباره الظاهرة الأخطر التي تهدد الأمن والاستقرار العالمي، ومصلحتهما الاستراتيجية على المديين القريب والبعيد، تقتضي منهما التصدي لها بكل حزم وصرامة، فإن القيادة القطرية قد آلت على نفسها ألا ننعم بساعات من الهدوء، وقامت بتفجير أزمة كبرى بالتصريحات الصادرة عنها، والتي سعت إلى نفيها بعد ذلك بزعم اختراق الموقع الالكتروني لوكالة الأنباء القطرية. المشكلة كان يمكن ان تنتهي ببساطة، لو كان الزعم القطري صحيحاً، عبر مؤتمر صحفي يعقده من نسبت إليه هذه التصريحات لوضع النقاط على الحروف في ما نسب إليه، وإعادة تعريف وجهة النظر القطرية حيال القضايا المثيرة للجدل في هذه التصريحات، ومنها العلاقات مع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية، والعلاقة مع إيران ونظام الملالي، والقاعدة العسكرية الأمريكية في قطر، ولكن للأسف لم يفعل صاحب التصريحات، كما تجاهل وزير خارجيته هذا الأمر حينما تناول الموضوع في مؤتمر صحفي عابر، كان يعقده مع وزير خارجية زائر لقطر، وكأن التهديد الذي طال العلاقات القطرية مع دول مجلس التعاون لا يستحق أن يعقد له الأمير ولا وزير خارجيته مؤتمراً صحفياً استثنائياً مخصصاً للرد على ما تحاول قطر التنصل منه في التصريحات الرسمية المنشورة على لسان أميرها! الأمر جلل ولكن يبدو أن من يقدمون النصح للقيادة القطرية لا يزالوا يضللونها برؤى خالية من الوعي!!
- تقول إحصاءات غير رسمية أن تكلفة الأعمال الدرامية العربية المعروضة خلال شهر رمضان المبارك تبلغ نحو 110 ملايين دولار أمريكي، ورغم الانتقادات الموجهة إلى ما يمكن وصفه بالبذخ الدرامي المبالغ فيه خلال هذا الشهر، ورغم أن البعض يرى أن الفن يمكن أن يلعب دور مؤثراً في التصدي للتطرف والإرهاب، فإن المنطق والعقل يقول أن الفن الراقي هو الذي يمكنه نشر الوعي وبناء حوائط صد ثقافية وهذا النوع من الفن غائب تماماً عن الساحة في الوقت الراهن، ومعظم الأعمال الدرامية المعروضة تنتمي إلى "الدراما التجارية"غير الهادفة، ومثل هذه النوعية من الفن لا تستطيع التصدي للتطرف، وهي لا ترمي لذلك بالمرة، وسلبيات هذا النوع من الفن تفوق مكاسبه بمراحل، فبالإضافة إلى تدمير الذوق العام وتوسيع دائرة الاسفاف، وبالتالي تصبح المجتمعات بين نمطين مرفوضين من السلوك، أولهما تشدد ديني، وثانيهما اسفاف أخلاقي!
- من بين العجائب التي تشهدها منطقتنا المنكوبة بالمليشيات والتنظيمات وعصابات الاجرام التي تعمل بالوكالة، تابعنا في الأيام الأخيرة تصريحات للزعيم الشيعي العراقي مقتدى الصدر، دعا فيها إلى تظاهرات أمام السفارة البحرينية في بغداد احتجاجاً على ما وصفه بالاعتداء على "الشعب البحريني المجاهد وعلى رموزه وقياداته الدينية"، ومثل هذه المزاعم تبدو في غاية الغرابة، فزعيم التيار الصدري في العراق قد نصب نفسه هو الآخر مدافعاً عن الشيعة في دول أخرى!! يقول الصدر أن دعم شيعة البحرين واجب على شعب العراق "لنبين مدى الترابط الوثيق بين الشعوب المظلومة في كل بقاع الأرض مهما بعدت الجغرافيا". وعلى حد معلوماتي، فإن الصدر لم يدافع عن أي شعوب من قبل، ولم يرتفع صوته دفاعاً عن أي قضايا إنسانية، ولم يعرف عنه التدخل لحماية حقوق الانسان في أي مكان بالعالم، وبالتالي فكلامه هذا لا يستر نواياه المذهبية المفضوحة، فهو يتدخل في شؤون دولة أخرى ذات سيادة ويحرض ضدها انطلاقاً من نعرات مذهبية وطائفية لا حق له أو لغيرها فيها!! قناعتي الذاتية أن تصريحات الصدر هي إحدى تجليات الفوضى التي تشهدها منطقتنا، ولا أدرى لماذا يتجاهل الملالي في إيران وزعماء شيعة العراق مبدأ سيادة الدول إذا كان الأمر يخص دول أخرى، في حين يصرخون بأعلى الأصوات في حال تناول الشأن الداخلي الإيراني أو العراقي بالنقد البناء أو الموضوعي!!
- على نفس المنوال، سار حزب الله اللبناني، الذي سمح لنفسه أيضاً بالتدخل في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، وهذه حالة أخرى من حالات الفوضى، فحزب الله، أصبح يتصرف في منطقة الشرق الأوسط كقوة إقليمية، وليس كميلشيات مارقة خارجة عن سيطرة الدولة في لبنان، فنجده يتدخل عسكرياً في سوريا، ويتدخل كلامياً في مملكة البحرين، ليتأكد للجميع أن هذه الميلشيات وقادتها هم أحد أسباب الكوارث، التي تعانيها العديد من دول المنطقة، فالميلشيات حلت محل الدولة وأجهزتها المؤسسية في بعض الأحيان، وجماعة الحوثي في اليمن وحزب الله اللبناني وحركة "حماس"في الأراضي الفلسطينية، و"داعش"في العراق وسوريا، وميلشيات الحشد الشيعي في العراق، كلها مظاهر للفوضى، والتنظيمات الإرهابية جميعها في ليبيا والعراق وسوريا وغيرها، يجب التصدي لها بكل قوة وصرامة، ومن دون ذلك ستظل المنطقة تدور في حلقة مفرغة، وسيعاد انتاج مظاهره هذه الفوضى.