اعترف بأنني كنت اتوقع أن يتوج صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله" أحد المشاهير والتجوم البارزين على الساحة الإعلامية كصانع للأمل في العالم العربي، ولكنني فوجئت بأنه لم يكتف بتتويج صانع واحد للأمل فقط، بحسب ماكان معلنًا رسميًا، بل باختيار خمسة صناع أمل غائبين تمامًا عن الإعلام العربي.
فوجئت أيضًا بأن هذا الاختيار ينطوي على عبقرية بالغة لأنه حرص على تحقيق هدف الجائزة، وضرب المثل والقدوة للأجيال المقبلة، واختار شخصيات فوجئت، والكثيرون غيري، بأن لهم بصمات وأدوار مجتمعية في منتهى الجدية والنبل والانسانية ولكنهم غائبون تمامًا عن إعلامنا العربي، المنشغل بنجوم زائفة في غالبيتها.
المرشحون الخمسة من صناع الأمل الذين بلغوا النهائيات هم قصص نجاح كانت غائبة إعلاميًا رغم أهميتها القصوى ، وهم المغربية نوال الصوفي، المقيمة في إيطاليا، التي كرست نفسها لإنقاذ اللاجئين الفارين إلى أوربا عبر قوارب الموت، حيث ساهمت في إنقاذ أكثر من 200 ألف لاجئ، وهشام الذهبي، من العراق الذي تبنى قضية أطفال الشوارع في العراق فآواهم في بيت خصصه لرعايتهم، مقدما لهم الرعاية النفسية والصحية والتربوية والتعليمية، ومعالي العسعوسي، من الكويت، التي هاجرت إلى اليمن قبل عشر سنوات لتنفذ العديد من المبادرات الإنسانية هناك، و ماجدة جبران، أو ماما ماجي من مصر، التي كرست نفسها لخدمة فقراء مصر، و"الخوذ البيضاء"، منظمة الدفاع المدني السوري، الذين يعملون لإنقاذ ضحايا القصف في سوريا.
من بين أكثر من 65 ألف صانع أمل رشحوا للمشاركة في مبادرة "صناع الأمل"، المبادرة الأكبر من نوعها عربيًا لتكريم أصحاب العطاء في الوطن العربي، انتصر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم لفكرة توسيع دائرة الأمل، وألقي بالمفاجأة ومنح المرشحين الخمسة الجائزة، وهم يستحقون بالفعل، ولكن العبرة بعمق قناعة سموه بهذه الفكرة الرائدة، وأهميتها ودورها في إحياء الأمل في نفوس لم تعد ترى سوى الظلام واليأس والاحباط من حولنا.
لا أشك لحظة في أن صناعة الأمل سيكون لها مفعول هائل في نفوس الشباب، فالعالم العربي بحاجة إلى طاقة جديدة لانتشاله من براثن الاحباط والفشل، ولابد أن تكون هذه الطاقة موازية للثقل السلبي الناجم عن مظاهر الفشل والاخفاقات التنموية التي تلعب دورًا مهمًا في ما وصلت إليه الكثير من دولنا العربية.
أبدى صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إرادة كبيرة في تدشين عمل تنموي جاد وعدم الانزلاق إلى دوامة رفع الشعارات التي لم تعد تسمن ولا تغني من جوع لدى ملايين الشباب، الذين كادوا يفقدون الثقة في كل ما حولهم بل ومن حولهم، وأصبح حلمهم بل همهم وشاغلهم الأساسي الابحار في زوارق الموت إلى شواطئ الأحلام في أوروبا لعلهم يجدون فرصة جديدة للحياة.
اتفق مع سموه تمامًا في أنه "لا توجد قوة في الحياة تغير المجتمعات نحو الأفضل أكبر من وقوة الأمل"، كما اؤيد بقوة دعوة سموه لصناعة أمل جديد لملايين الشباب العربي كي يؤدوا ادوار حقيقية في مجتمعاتهم.
صناعة الأمل في منطقتنا هي مسؤولية تاريخية ليس فقط للقادة والمسؤولين، بل أيضًا للإعلام الذي فقد البوصلة والهوية في كثير من نماذجه وحالاته وممارساته، فانقسم بين أداء إعلامي حكومي رتيب غائب عن آليات العصر التقني ومتطلباته، وبين إعلام يخدم أهدافًا لا علاقة لها بالمجتمعات العربية وهمومها وأولوياتها وقضاياها الحقيقية.
عندما يغرق الاعلام في مجتمع ما في مستنقع "الفكر الاستهلاكي" ويتحول إلى منتج ومصدر كبير للطاقة السلبية، ومادة لنشر الشائعات والجدل والانقسامات، وأحيانًا الخرافات والدجل، يصبح هذا المجتمع في مواجهة خطر بالغ، ربما يفوق خطر التهديدات التقليدية، كونه يدمر أغلى ما في هذا المجتمع وهم شبابه، ويحطم أحلامهم وينشر اليأس والاحباط والقيم السلبية بينهم.
الكثيرون منا لا يعرفون من فازوا بجائزة "صانع الأمل" العربي رغم أدوارهم الانسانية والمجتمعية الكبيرة، التي يعود بعضها لسنوات طويلة مضت، ما يطرح سؤال مهم : إذا كان هؤلاء النجوم الحقيقيين غائبون عن الإعلام العربي فكيف يمكن أن نصدق أن هذا الاعلام يسعى بشكل جاد لتنمية مجتمعاته؟؟!
النجوم في إعلامنا العربي انحصروا في فئات معينة، فلم يعد هذا الاعلام يلعب دورًا مجتمعيًا، بل بات يلعب أدوارا تجارية بحتة، ويلهث وراء فئات وأسماء معينة من دون أن يقف لحظة واحدة ليفكر في جدوى ما يفعله بل ما يجلبه على مجتمعه من كوارث جراء التركيز الشديد على ثقافة التسلية منزوعة الهدف والفكر.
عندما نتحدث عن مكافحة التطرف والارهاب ونبذ العنف، نعقد مئات المؤتمرات والندوات وورش العمل والمحاضرات وغير ذلك من الفعاليات الإعلامية والبحثية، ونستغرق في بحث سبل تجديد الخطاب الديني، ولكن لا أحد يفكر في آليات حقيقية بعيدة عن هذا التنظير الذي جربناه سنوات طويلة ولم يفلح في إظهار أي جدوى في التصدي للفكر المتطرف.
نعم هناك حاجة لتجديد الخطاب الديني، ولكن هناك حاجات أخرى عديدة، فتغيير المفردات والاعتماد على مراجع مختلفة وكل ذلك لن يفلح في مكافحة التطرف والتشدد ما لم تكن هناك جهود حقيقية تبعث الأمل في مستقبل أفضل لملايين الشباب، فكل هؤلاء يحتاجون إلى فرص عمل وحياة مستقرة كي يمكن ان يكونوا مواطنين صالحين في مجتمعاتهم، ولن تفلح في تحقيق ذلك الخطب، مهما كانت براعة الخطباء وفطنتهم، فمنطقتنا تحتاج إلى نماذج حقيقية تمشي على الأرض وتضرب المثل والقدوة في العمل لما فيه مصلحة الدول والشعوب، وتكد وتسهر في عمل جاد وبناء مجتمعات سليمة خالية من الفساد.