خطة إيران للمنطقة تتلخص بربط الارهاب والفوضى بكل ما هو سني.
لاشك أن الأزمة المشتعلة في منطقة الشرق الأوسط قد أنتجت العديد من الدروس أهمها أن إيران لا تريد أن تبني علاقاتها مع دول الجوار على أسس سياسية بل تسعى إلى تكريس الفوضى من أجل تنفيذ مشروع توسعي فارسي يرتدي قناعاً طائفياً بشعاً، والدرس الآخر ـ برأيي ـ أن إيران تراهن على الوقيعة بين الدول العربية ومواطنيها الذين ينتمون إلى المذهب الشيعي، حيث يبدو أن إيران تستثمر الكثير من مواردها وطاقاتها السياسية والاعلامية والعسكرية في الوقيعة بين العرب السنة وأشقائهم من العرب الشيعة، وتسعى جاهدة إلى تحطيم مورث تاريخي طويل من التعايش السلمي بين المذاهب وتلجأ إلى النفخ في نار الفتنة الطائفية عبر الادعاءات الكاذبة بالدفاع عن من تسميهم ـ زوراً وبهتاناً ـ بالمظلومين في دول عربية عدة!
ربما لا يجد الباحث في الشأن الايراني واقعة واحدة تبرهن على أن إيران تتخذ من الدفاع عن الدين مبدأ في سلوكياتها السياسية، فهي من تقيم الدنيا وتقعدها ليل نهار ضد "الاحتلال الصهيوني الغاصب" وغير ذلك من شعارات فارغة ولكنها لم توجه مدافع ميلشياتها ووكلائها الاقليميين من الشيعة سوى إلى صدور مواطنيهم من العرب السنة في العراق وسورية، أضف إلى ذلك أن مواقف إيران في أزمات دولية عدة تعكس تجاهلها التام للوحدة العقيدية في توجهاتها السياسية، والشاهد على ذلك أزمة اقليم ناجورنو كاراباخ وغيرها، فضلا عن عداء إيران لكل ماهو سني في منطقة الشرق الأوسط، بل والسعي بقوة إلى تشويه السنة في العالم الاسلامي ومحاولة ربطهم بالارهاب ظلماً وعدواناً، سواء عبر الآلة الاعلامية الايرانية، أو عبر تقوية تنظيمات الارهاب المحسوبة على الاسلام السني مثل "القاعدة" التي احتضنت إيران قادتها لسنوات طويلة، ثم "داعش" الذي تشير تقارير استخباراتية عدة إلى أن مختبرات الحرس الثوري الايراني أسهمت بقوة في ظهور التنظيم وتمدده من أجل ايجاد الذريعة للتدخل في العراق وسوريا وتوسيع نفوذ طهران وتحقيق حلمها الفارسي التوسعي.
واعتقد أن ممارسات وسلوكيات النظام الايراني في الوقت الراهن ليست بعيدة عن خطط ومؤامرات التقسيم الدولية، بل إن هناك شواهد ومؤشرات على تنسيق المواقف في ظل مايتردد منذ سنوات في أروقة البحث الأميركية حول التحالف مع الشيعة على حساب السنة، وهو توجه يدفع باتجاهه ويغذيه بعض الباحثين الأميركيين المعروفين من ذوي الأصول الايرانية، كما أن إيران تتحالف ضمناً مع أفكار ومشروعات التقسيم الخاصة بالمنطقة العربية بناء على خطوط مذهبية، بداية من "خطة عوديد ينون 1982" مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أريئيل شارون الهادفة إلى تعزيز النزاعات الطائفية والعرقية في الدول العربية وإذكاء الصراع الشيعي السني على وجه الخصوص، وهو الفكر ذاته الذي انطلقت منه خطة "برنارد لويس 1992 "، التي تحدثت كذلك عن تقسيم للمنطقة العربية على أسس طائفية ومذهبية ودينية وعرقية، ثم خطة الضابط الاميركي رالف بيترز التي اطلق عليها اسم "حدود الدم 2006 " التي كانت أكثر وضوحا وتفصيلا في الحديث عن الخطوط المذهبية لتقسيم المنطقة؛ ويخطى من يتصور أن إيران ترفض هذه المشروعات التآمرية، فهدف إيران الأساسي يقوم في المرحلة الأولى على اقامة دول عربية شيعية عدة في خطوة ترمي إلى استعادة مجد الامبراطورية الفارسية التي يحلم بها ملالي قم!
وإذا كانت خطط التقسيم القائمة على حدود الدم تحرك نوازع الشر الداعشية والفارسية على حد سواء، وتشير إلى دول شيعية عربية عدة، فإن المخطط التوسعي الايراني يستهدف انشاء دولة شيعية في العراق، وأخرى شيعية علوية في سوريا، وهو بالضبط ماتسعى طهران إلى تحقيقه حالياً في الأزمة السورية، حيث تعمل جاهدة لافراغ دمشق مع ريفيها الغربي والشمالي إضافة إلى حمص وريفها وصولا إلى اللاذقية وطرطوس وكامل الشريط الساحلي من سكانه المسلمين السنة واستبدالهم بشيعة سوريين فضلا عن المقاتلين الشيعة من إيران نفسها وباكستان وأفغانستان والعراق.
هذا جزء من المخطط الايراني، والجزء الأخر يتعلق بدول مجلس التعاون وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، حيث تسعى طهران إلى إشعال نار الفتنة بين السنة واخوانهم الشيعة في دول مجلس التعاون، خاصة السعودية والبحرين والكويت، بما يوفر لطهران ورقة ضغط قوية على هذه الدول، حيث أن الأزمات من هذا النوع الطائفي البغيض في هذه الدول ـ لا قدر الله ـ ستكون بمنأى عن إيران، أي أنها ستشعل صراعاً خارج حدودها يدار أيضا بالوكالة مثلما يجري في العراق وسورية ولبنان واليمن.
الاستفزازات الايرانية المتواصلة للمملكة العربية السعودية تتجاوز في جوهرها وهدفها إعدام نمر باقر النمر أو غيره، فإيران تعدم يومياً مئات من مواطنيها ولا أحد يحاسبها أو يسائلها، ولكن المسألة تتعلق بالسعي إلى الوقيعة بين المواطنين العرب من السنة والشيعة، وتصوير الأمر باعتباره صراعاً مذهبياً ولكنه في الحقيقة صراع مدفوع يخفي حقيقة الأطماع السياسية لإيران في المنطقة ومشروعها التوسعي القائم على اعتبارات قومية فارسية في المقام الاول.
إن على مواطني دول مجلس التعاون جميعاً، سنة وشيعة، أن يصطفوا خلف دولهم وقياداتهم فهم في اختبار مواطنة حقيقي وتاريخي، وعليهم أن يدركوا أن المسألة لا تتعلق بصراعات مذهبية، وليس هناك استهداف سني للشيعة من جانب السنة، بل هناك استهداف خليجي جاد وصارم لمشروع هيمنة إيراني اقليمي فارسي خطير. وعلى الجميع أن يدرك أن الصراع السني ـ الشيعي في أي دولة عربية يصب في المقام الأول في مصلحة إيران والتنظيمات الارهابية المتطرفة المحسوبة زوراً على المذهب السني. ومن ثم على الجميع الانتباه إلى دروس التاريخ التي تؤكد أن الصراعات المذهبية الداخلية من أخطر الصراعات التي يمكن أن تتعرض لها الدول والمجتمعات لأنها تؤدي الى تفتتها، وتستمر نتائجها الكارثية لعقود طويلة، وإذا ما انفجرت يكون من الصعب السيطرة عليها، إضافة إلى أنها من أشرس الحروب لأنها تتعلق بالعقائد والمقدسات.