لمن لا يعرف محمد جواد ظريف هو وزير خارجية إيران صاحب الوجه "الظريف" على حد وصف تقرير منشور لإذاعة "مونت كارلو" الدولية، التي بررت هذا الوصف بأنه "لا تفارقه البسمة مهما كانت الظروف".
وأضيف من جانب إلى هذا الوصف "عدا حالات التواجد مع ممثليين إقليميين لدول مجاورة"، فالرجل يبتسم بالفعل ولكن في وجود نظرائه من دول ومناطق جغرافية بعينها فقط، ولكنه يظهر بمظهر مغاير تماما في الاجتماعات التي يشارك فيها ضمن مؤسسات العمل الإسلامي المشترك.
لا يمكنني التشكيك في خبرات السيد ظريف وقدراته الدبلوماسية فهو من أمضى نحو أكثر من عقدين داخل أروقة الأمم المتحدة، ووضع كل خبرته تلك في كتاب سيرته الذاتية المعنون "السيد السفير"، فهو رجل مناور يمتلك وجوها عدة، ويكفي أن المحافظين الإيرانيين المتشددين يعتبرونه "عميلا أميركيا" ضمن ما يعرفون في الأدبيات الإعلامية الإيرانية بـ"عصابة نيويورك"، والبعض يتهمه بأنه رجل الولايات المتحدة داخل إيران، ما تسبب في فترة ما في سعي الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد لاقالته من منصب مندوب بلاده لدى الأمم المتحدة، والمرشد رفض ولكن ظريف مالبث أن تقدم باستقالته في عام 2007.
ما يهمني في هذا المجال أن ظريف هو إحدى الشخصيات المخادعة سياسيا، وهذا وصف عقلاني هادئ له، ولا ينطوي على أي قدر من التحامل، فهو من خط بقلمه في أغسطس الماضي مقالته الشهيرة في صحيفة "السفير" اللبنانية التي قال فيها "في تقاليدنا العريقة، وفي ديننا الإسلامي الحنيف (الذي يجمعنا معا)، توصية حكيمة تقول: الجار ثم الدار، وهي توصية أخلاقية ذات رؤية عميقة، وصلتنا عبر القرون، وباتت ضرورة لا يمكن إنكارها في عالمنا المعاصر؛ إن الرفاه والأمن يتحققان فقط في البيئة التي يمكن أن تحظى بهاتين النعمتين العظيمتين" ولكن نشر مقالا في صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في يناير الماضي على النقيض من هذه القناعة الزائفة تماما، حيث حمل كمّا من الحقد والتحريض المباشر ضد المملكة العربية السعودية يكشف كم الضغائن التي يكنها السيد ظريف نحو الأشقاء في المملكة العربية السعودية، ثم عاد بغرابة شديدة يتحدث في تصريحات أخرى عن وجود قواسم مشتركة بين إيران والسعودية، بل قال نصا في مؤتمر ميونيخ للأمن منتصف فبراير الماضي"نعتقد أنه لا يوجد أي شيء في منطقتنا يمنع إيران والسعودية من العمل معا لتحقيق مستقبل أفضل لنا جميعا". وأضاف أن "المتطرفين يشكلون تهديدا على أشقائنا في السعودية مثلما يمثلون تهديدا على باقي المنطقة. ونحن مرتبطون بمصير مشترك".
ثم عاد ظريف مجددا في قمة إسطنبول التي عقدت مؤخرا، إلى لغة العداء ونبرة الاستخفاف البغيضة، حين ذكر السعوديين بمصير وزير الخارجية العراقي السابق طارق عزيز. وأشار ظريف إلى استغلال منظمة التعاون الإسلامي من قبل صدام حسين إبان الحرب المفروضة على إيران، وقال "في تلك الفترة بادر وزير الخارجية العراقي طارق عزيز إلى إقرار بنود معادية لإيران بدعم من بعض دول المنطقة، لكننا لم نعر أي اهتمام لمثل هذه التوجهات المعادية.. يجب استخلاص العبر من الماضي؛ انظروا أين طارق عزيز اليوم؟".
وتساءل رئیس الجهاز الدبلوماسي الإيراني عن جدوى تكرار تجربة بعض الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي لما زعم أنها "سياسات فاشلة". لا أدري شخصيا كيف يتبدّل ويتقلب ظريف بين موقفي العداء وادعاء "الأخوة" مع الجانب السعودي، وهذا التبدل أوالتقلب لا يحدث في سنوات بل في غضون أسابيع وربما أيام قلائل، والسبب ليس لأن السعودية تتحرك ضد بلاده، بل تسعى إلى تحقيق الأمن والاستقرار في العالم العربي والإسلامي من خلال تأكيد سيادة الدول التي تعرضت للتآكل على أيدي العملاء والوكلاء، الذين تنفق عليهم إيران بسخاء، فظريف انفعل خوفا على حزب الله الذي هو بالمناسبة لبناني الجنسية والموطن، وليس إيرانيا، ولا أدري كيف يصف هذا الموقف اللافت دبلوماسيا وسياسيا؟
ظريف يدعو إلى تعزيز الوحدة الإسلامية! حسنا.. فأين كانت هذا القيم النبيلة من دعمكم لجماعة الحوثي التي تعيث في اليمن الشقيق فسادا؟ وأين كانت هذه القيم النبيلة وأنتم تطلقون ميليشيات الحشد الشعبي ضد المسلمين السنة في العراق الشقيق بزعم محاربة داعش؟ ثم أين كان هذا الموقف الزائف من ممارسات البلطجة الأمنية والسياسية التي يمارسها حزب الله في لبنان؟
يحذر ظريف الأشقاء السعوديين من مصير طارق عزيز، متناسيا أن مصير عزيز هو مصير كل البشر، فكلنا ميتون، ولن يبقى سوى وجه الله عزوجل، وعليه إن كان صادق النية في مسألة تذكرة الآخرين بالموت مصيرا، فحري به أن يذكر قائده الأعلى المرشد خامنئي لعله يفيق من غيه ويتوقف عن العبث بمصير المنطقة وشعوبها.