في ما يشبه الاستفتاء على سياسات إيران وتوجهاتها حيال دول الجوار وقضايا العالم العربي والإسلامي جاءت نتائج القمة الإسلامية التي عقدت مؤخرا، لتؤكد رفض الدول العربية والإسلامية،جميعها، لسياسات إيران ومشروعها الأيديولوجي التوسعي في المنطقة.
جاء البيان الختامي صادما لإيران ووفدها إلى القمة، فلم تكن طهران تتوقع كل هذا الرفض والإجماع من العالم الإسلامي ضد مواقفها وممارساتها وسياساتها، ما يعني أن الملالي لم يقرأوا الموقف الإقليمي جيدا ولم يتفطنوا إلى خطورة سياساتهم وممارسات البلطجة التي يتبنونها في السنوات الأخيرة بتوسع لافت يثير قلق العواصم العربية والإسلامية جميعها.
أحد أسباب غياب الرؤية الإيرانية الدقيقة للمواقف الإسلامية، يكمن في الغطرسة التي تعمي عيون الملالي وقادة الحرس الثوري، وتحول دون إدراكهم للحقائق الناصعة كالشمس في صيف قائظ من حولهم، فقد تصور هؤلاء أن الاتفاق النووي يعني إطلاق يد إيران في المنطقة دون الانتباه لإرادة دولها وشعوبها، فإيران تشعر بأنها حصلت على “ضوء أخضر”، دوليا، للتصرف في المنطقة وفق إرادتها وطموحاتها الذاتية، وهذا أمر لا يليق بدولة تزعم ليل نهار، حرصها على مصالح الدول والشعوب الإسلامية.
مؤامرات إيران في المنطقة ليست بحاجة إلى شواهد أو دلائل، فهناك تدخل إيراني خشن عن طريق الوكلاء المحليين في اليمن، وهناك تدخل مباشر وغير مباشر في العراق وسوريا، وهناك تدخل غير مباشر في الشأن الداخلي لمملكة البحرين عبر ترديد ادعاءات ومزاعم باطلة، وهناك محاولات لممارسة إرهاب الدولة عبر استعراض القوة بالتجارب الصاروخية الإيرانية، التي لا تكف طهران عن التلويح بها في وجه دول المنطقة، وكانت تصريحات الجنرال محمد علي جعفري قائد الحرس الثوري الإيراني أوائل أبريل الجاري مظهرا دالا على هذه العدوانية البغيضة، حيث هدد جعفري كلاّ من المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين، مشيرا إلى جاهزية مخططاته ومشاريعه للرد على القرارات الخليجية الأخيرة، وكان قد سبقه في التهديد الصريح القيادي في الحرس الثوري الإيراني الجنرال سعيد قاسمي، الذي طالب في نهاية شهر مارس الماضي بضم مملكة البحرين إلى إيران، زاعما أن “البحرين محافظة إيرانية مقتطعة”.
وفي ضوء ما سبق وغيره، لم يكن مفاجئا لأي مراقب للأوضاع في المنطقة أن تصدر قمة إسطنبول الإسلامية بيانا يدين “تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، ودول أخرى أعضاء منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب”.
كما لم يكن مفاجئا أن يدين البيان “حزب الله” لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن ولدعمه حركات وجماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة”، فالسلوك الإيراني منذ دخول الاتفاق النووي حيز التنفيذ في يناير الماضي، يوحي بأن طهران حسمت أمرها وقررت تبني نهج القوة الخشنة في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الإقليمية، ففي سوريا نجد أن طهران لم تلتزم باتفاق وقف إطلاق النار، وأعلنت قبل أيام من بدء الجولة الثانية لمفاوضات جنيف 3، الأربعاء الماضي، عن إرسال قوات خاصة تابعة للواء 65 الإيراني إلى سوريا، في خرق فاضح لوقف إطلاق النار، وتحريض واضح للنظام السوري على إفشال المفاوضات والعودة إلى العمل العسكري، بل حرصت إيران على نسف فرص التفاوض وشد آفاق تسوية الأزمة سياسيا، بقولها على لسان علي ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، أن طهران لن تتخلى عن بشار الأسد، وأن رحيله “خط أحمر” بالنسبة إلى طهران.
لا أدري كيف يمكن أن تتصور إيران أن القمة الإسلامية يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي في وجه هذه البلطجة الإيرانية، ولا أدرى أيضا كيف تفهم طهران الأمور بشكل معكوس، فإيران التي تدعي، زورا وبهتانا، أنها صوت المظلومين في العالم العربي والإسلامي، وأنها ستواصل دفاعها عن هؤلاء المظلومين والمستضعفين، هي نفسها التي تقتل السنّة في العراق، سواء بأيدي الحشد الشيعي أو بأيدي تنظيم داعش صنيع مختبرات الحرس الثوري، فضلا عما يرتكبه أتباعها من جماعة الحوثي بحق اليمنيين العزل الأبرياء الذين حول الحوثيون وميليشيات علي عبدالله صالح حياتهم إلى جحيم تنفيذا لإملاءات الملالي وإرادتهم ورغبتهم التوسعية.
من يزعم أن دول التحالف العربي، بقيادة المملكة العربية السعودية، هي من أوصلت اليمن إلى هذه الحالة يغالط نفسه ويزوّر الوقائع، فالسعودية وحلفاؤها ليسا من جاهر في غير مرة بقرب انضمام صنعاء كي تصبح العاصمة العربية الرابعة في الإمبراطورية الإيرانية، فالتحالف لم يتحرك سوى لإنقاذ العواصم العريقة وانتشالها من أيدي المشروع الإيراني الطائفي البغيض، الذي انعكس بشكل فج ومرفوض في تصريحات الرئيس حسن روحاني التي أدلى بها خلال شهر مارس الماضي، وقال فيها نصا “إيران سوف تتدخل في أي مكان توجد فيه مقامات للشيعة، وتتعرض إلى تهديد من قبل الإرهابيين”، فالتدخلات الإيرانية التي تتم تحت ستار مكافحة الإرهاب هي تدخلات طائفية بامتياز، وليست لحماية الشعوب الإسلامية ولا تعنيها الدول وسيادتها ومصالح شعوبها.
الطريق إلى تحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي يبدأ من وجود قناعة إيرانية حقيقية بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول واحترام سيادة دول الجوار، وحل الخلافات بالطرق السلمية، وهي ليست مطالب جديدة ولا طارئة بل تندرج ضمن مبادئ الشرعية والقوانين الدولية التي تؤطر العلاقات الدولية منذ تأسيس الأمم المتحدة.
وإذا كان البعض ينظر إلى القمة الإسلامية من زاوية إدانة إيران فقط، فإنني أعتقد أن القمة خرجت بما هو أهم، باعتبار أن إدانة إيران مسألة بديهية ومتوقعة في ظل سلوكياتها وممارساتها المرفوضة عربيا وإسلاميا، ويكمن ذلك في وضع النقاط على الحروف في ما يتعلق بالتحديات والتهديدات الاستراتيجية التي تواجه العالم الاسلامي، والإشارة إلى ذلك صراحة وبوضوح شديد، حيث جاء الحديث عن إيران كاشفا ومنبّها لأحد أخطر التحديات والتهديدات التي تواجه أمن الدول العربية والإسلامية واستقرارها.
اختتمت قمة إسطنبول أعمالها ببيانها الواضح، والذي اعتبره صفعة للسياسات الإيرانية، بل أجد فيه فرصة ثمينة وجرس إنذار أمينا لإيران كي تعيد مراجعة مواقفها وحساباتها وسياساتها لعلها تفيق من غيّها وتدرك حقيقة ما يدور من حولها، إذا كانت طهران تسعى حقيقة إلى لم الشمل وحسن الجوار، وعدا ذلك فإنها تكون قد اختارت بنفسها ولنفسها طريق عزلتها وصدامها مع بيئتها وعالمها الإسلامي، وبما يثبت زيف شعاراتها الثورية الكاذبة، ويؤكد أن الأيديولوجية ليست سوى غطاء لمشروع فارسي توسعي يستدعي الحقب الاستعمارية التاريخية في أبشع صورها المرفوضة.