خرج المرشد الايراني الأعلى علي خامنئي بالأمس داعياً العالم الاسلامي إلى ما أسماه بـ "التفكير بحل لإدارة الحرمين الشريفين"، محملاً المملكة العربية السعودية ما اعتبره منعاً لحجاج بلاده من أداء الفريضة هذا العام!!
هذه التصريحات هي أضحوكة الموسم، فهي مخصصة للاستهلاك المحلي في الداخل الايراني بالأساس لأن غالبية مراقبي تطورات الأحداث في العلاقات السعودية ـ الايرانية يدركون تماماً أن الوفد الايراني، الذي زار الرياض للتفاوض حول تسوية أزمة الحجاج الايراني رفض تماماً التعاون من أجل التوصل إلى حلول مُرضية للأزمة، وتمسك بفرض وجهة نظره، ولاسيما ما يتعلق بممارسة "مراسم البراءة من المشركين"، وما يسمى بـ "دعاء كميل"، وهي مراسم ليست في المذهب الشيعي بل ابتدعها الملالي منذ عهد الخميني لإضفاء بعد سياسي على مراسم الحج، حيث زعم الخميني أن "البراءة من قوى الكفر العالمية ركن من أركان الحج"، وألزم بها الحجاج الشيعة الايرانيين كركن لصحيح الفريضة.
يقول خامنئي أن الشعب الايراني "ثوري" ويمارس ثوريته في موسم الحجم، ولو افترضنا صدق مزاعم الرجل ـ وهو الكذوب ـ فليته يترك شعبه الثوري ليعبر عما يجول بخاطره إزاء نظامه القمعي الاستبدادي الغاشم ولو لساعات معدودوات ستكون كفيلة باقتلاع نظام الملالي من جذوره على يد ملايين الشباب الايرانيين الثائرين، الذين لا تكف القبضة الأمنية الباطشة عن التنكيل بهم من أجل الحفاظ على استقرار ظاهري مخاتل للنظام.
ثم يواصل خامني مزاعمه الكاذبة بأن حكام السعودية يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام وسد طريق الحجاج الايرانيين، ويبدو أنه لا يعرف أخبار وصول آلاف الحجاج الايرانيين قادمين من دول العالم المختلفة لأداء فريضة الحج، وأن السعودية تعاملهم مثل غيرهم من الحجاج من دون أدنى تمييز أو اختلاف.
يدرك خامنئي أن حجاج الداخل الايراني غاضبون بسبب عدم السماح لهم بالحج هذا العام على خلفية المقاطعة الرسمية الايرانية لموسم الحج، وبالتالي فليس أمامه سوى محاولة القاء المسؤولية على المملكة العربية السعودية، وتهييج المشاعر الدينية ضدها والزعم بأنها تسيطر على الأماكن المقدسة وتفرض عليها شروطها، رغم أن الإدارة السعودية للأماكن المقدسة ليست سوى عملية تنظيمية دقيقة تضطلع بها المملكة ويفترض أن تلقى الدعم والمساعدة اللازمة من الدول الاسلامية كافة، لاسيما الدول الضخمة سكانياً مثل إيران وغيرها.
ولعل مايثير حفيظة الملالي أن السلطات السعودية قد وافقت على منح تأشيرات لجميع الحجاج الايرانيين من خارج بلادهم، نافية ذلك مزاعم خامنئي ورفاقه بأن السعودية تحرم الايرانيين من أداء الفريضة، ويتأكد للجميع أن الملالي هم من منعوا حجاج الداخل الايراني من أجل غرض سياسي يتمثل في محاولة تشويه صورة المملكة العربية السعودية والاضرار بسمعتها.
ويصل خامنئي إلى ذرورة تخرصاته في هذه التصريحات حين يكشف عن نواياه الخبيثة، ويؤكد أن حديثه كله لا علاقة له بحج الايرانيين من عدمه بل يستهدف الاساءة إلى السعودية فقط، حيث يتهم السعودية بإغراق اليمن والعراق وسوريا وليبيا في الدماء، ونلاحظ هنا هذا التجرؤ على الكذب وتزييف الحقائق، في ظل وجود أدلة دامغة على أن السعودية لم يكن لها علاقة بما آلت إليه الأوضاع في العراق ولا اليمن وكان تدخلها في اليمن انقاذاً لبلد عربي أصيل من الضياع على يد عملاء الملالي ووكلائهم، أما ليبيا فليس للسعودية علاقة بما يدور فيها من قريب أو بعيد!!
هذا الاستغلال السياسي لطقوس الحج تسبب على مدى سنوات وعقود مضت في كوارث وصدامات عدة انحرفت بالفريضة الدينية عن هدفها الديني السامي وتسببت في حوادث عنف وقتل بسبب فورة المشاعر وتحفيز الدعاة الشيعية المرافقين للحجاج الايرانيين لهذه المشاعر واستدعاء السياسة في حضرة الدين بشكل خبيث.
تجارب الماضي تثبت أن الملالي يفتعلون الصدامات العنيفة مع السلطات السعودية من أجل تبرير مقاطعتهم لمواسم الحج، وما يترتب على ذلك من جانبهم من تحريض ضد السلطات السعودية والدعوة إلى إدارة إسلامية مشتركة للحرمين الشريفين، باعتبار أن ذلك هو الهدف الأساسي من وراء كل هذه المؤامرات والخطط والفتن التي لا تنتهي.
يزعم الجانب الايراني أن نظيره السعودي في مفاوضات الحج هذا العام قد وافق على اقامة مراسم "البراءة" ثم عاد ورفض بناء على توصيات من وزارة الداخلية السعودية، ولو افترضنا أن هذا الزعم صحيحاً فمن حق السلطات السعودية أن تتخذ من الاجراءات ما تراه مناسباً للحفاظ على أمن الحجاج في وجود أكثر من مليوني زائر للأراضي المقدسة، لاسيما أن الإجراء محل النقاش لا يندرج ضمن طقوس الحج وليس طقساّ دينياً من الأساس بل هو ممارسة سياسية لا علاقة لها بفريضة الحج من الناحية الدينية، بل إن المفترض أن ترفض السعودية مجرد طرح مثل هذه الممارسات للنقاش من الأساس حفاظاً على وحدة الصف الاسلامي وسداً لذرائع العنف وسفك الدماء في هذا الموسم المقدس.
المؤسسات الاسلامية السنية الموثوقة، وفي مقدمتها الأزهر الشريف، قالت كلمتها وأكدت أن التظاهر أثناء أداء شعائر الحج محرم شرعاً، و"بدعة من بدع الضلالة لأنه مدعاة للفرقة والتنازع والجدال"، فلماذا لا يحترم رأي هؤلاء العلماء الثقاة طالما أن هذه الممارسات الجدلية موضع خلاف كونها أفعال مستحدثة لا علاقة لها بصحيح الشعائر.
يدرك رئيس منظمة الحج والزيارة الايرانية سعيد أوحدي، الذي ترأس الوفد الايراني الذي زار السعودية خلال شهر مايو الماضي للتوقيع على اتفاقية موسم الحج، أن الشروط المنظمة للحج تهدف إلى سلامة الحجاج وأداء العبادة بعيداً عن التوظيف والحشد السياسي، الذي لا علاقة له بالحج أو غيره من الشعائر الدينية.
الملالي ابتدعوا طقوساً عدة تؤدي أثناء موسك الحج، وهي في مجملها طقوساً للدعاية السياسية للنظام الايرامي، ولاسيما ما يعرف بـ "نشرة زائر"، التي توزع بين الحجاج الايرانيين، وتحولت إلى نشرة تحريضية تستهدف تقويض الأمن خلال موسم الحج، بل إنه لا هدف منطقي من وراء توزيعها من الأساس، فالحج ليس موسماً للمزايدات والمهاترات السياسية، بل عبادة تسمو بالمسلمين وتغرس فيهم قيم حضارية وانسانية راقية، لاسيما في ما يتعلق بالمساواة والتسامح والنقاء الروحي.
التجارة بالدين ليست جديدة في سلوك النظام الثيوقراطي الايراني، فهو نظام قائم على توظيف الدين والاتجار به في محافل السياسة، داخلياً وخارجياً، فالهتاف بـ "الموت لأمريكا" ليس مكانه الاماكن المقدسة، بل شوارع قم، باعتبار أن معظم سكان المدن الايرانية قد اكتشفوا زيف هذا الشعار، وتأكدوا من أن الملالي يضعونه على أبواب غرف يجالسون فيها وفود أمريكية بل وإسرائيلية.
محاولات الملالي لتشويه السعودية لا تتوقف عند حد ولا خبر معين، بل تتواصل بشكل مثير للشفقة والرثاء، فمحاولات تأمين الحجاج وتوفير أقصى إجراءات الأمن لهم تتحول في وسائل الدعاية الايرانية إلى استعانة سعودية بشركات إسرائيلية رغم أن العالم يعج بمئات الشركات المتخصصة في تكنولوجيا التأمين وليس من السهل على السلطات السعودية المجازفة بحدوث هذه الاجراءات الساذجة في ظل حالة التربص الايرانية الغادرة بالمملكة!!.