لا شك أن سيناريو امتلاك إيران لقدرات نووية عسكرية كان، ولا يزال، يمثل خطورة بالغة على الأمن القومي لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وهذا الخطر لم يتلاش عقب توقيع الاتفاق النووي مع مجموعة 5+1 العام الماضي، بل يمكن القول إن الخطر تم ترحيله زمنيا فقط.
وهناك قناعة قائمة منذ سنوات لدى الخبراء والمتخصصين بأن القنبلة النووية الإيرانية هي الكابوس الذي يواجه مخططي الأمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، والسبب في ذلك لا يتمثل فقط في انتشار التسلح النووي، ولكن لأن وقوع أسلحة نووية بين أيدي نظام ثيوقراطي متهور مثل نظام الملالي، يمثل ذروة التهديد الاستراتيجي لأي دولة، لا سيما تلك المجاورة لهذا النظام.
يبدو أن إيران قد أدركت أنها لا تستطيع الإفلات الآن بقنبلة نووية ما لم يتم التفاهم مع الغرب على بعض قواعد اللعبة الإستراتيجية، فقررت تنشيط جهودها على صعيد بناء قنبلة من نوع آخر، هي القنبلة المذهبية، حيث بادرت إيران في الآونة الأخيرة إلى بناء ترسانة مذهبية تمتلك قوة تفجيرية ربما لا تقل خطرا عن القنبلة النـووية أو الهيدروجينية من حيث التأثيرات الإستراتيجية ومستوى التهديد المحتمل.
قنبلة المذهبية الإيرانية ليست جديدة ضمن معادلات الدور السياسي الإيراني الخارجي، فنظام الملالي يلعب ورقة المذهبية منذ وصوله إلى الحكم عقب الثورة الإيرانية عام 1979، حيث حرص الملالي على اعتماد المذهبية مدخلا لتوسيع النفوذ والتمدد في دول عربية عدة ابتداء برفع شعار تصدير الثورة ومرورا بالتدخل في لبنان، وصولا إلى ذروتها بالتباهي باحتلال أربع عواصم عربية.
الخطوة الأحدث في مسار المذهبية الإيرانية تتمثل في بناء ما يسمى بـ“جيش التحرير”، الذي تقوم إيران بتأسيسه على أسس شيعية طائفية بحتة، ويعمل تحت إمرة الجنرال التلفزيوني قاسم سليماني وقيادة الحـرس الثـوري الإيراني ويتبع إداريـا المـرشـد الأعلـى علي خـامنئي. ويتكـون من عنـاصر شيعية يتم تجميعها من دول عـدة منها باكستان وأفغانستان والعراق ولبنان، بالإضافة إلى إيران بطبيعة الحال.
كان لإيران في ما مضى من سنوات أذرع سياسية وأمنية وعسكرية تزعم العمل تحت لافتات وطنية، مثل ما كان يزعم “حزب الله” اللبناني، الذي تسبب في تدمير وتخريب لبنان بمغامراته العسكرية الفاشلة مقابل الحفاظ على حياة “الزعيم” نصرالله.
إيران الرسمية لم تنكر تأسيس جيش شيعي طائفي، واعترفت بذلك صراحة ومن دون مواربة. ويبدو أنها تقف على أرضية تآمر مشتركة مع قوى دولية وإقليمية توافقت على الاعتماد على الورقة المذهبية في خلخلة الأمن والاستقرار بدول المنطقة، لا سيمـا تلك التي تضم أقليـات شيعيـة ذات ثقل معتبر ضمن تركيبتها الديموغرافية.
المؤكد أن ما يسمى بجيش التحرير الشيعي سيكون لاعبا مهما خلال المرحلة المقبلة في دول مثل العراق وسوريا واليمن، بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين الرسمية، حيث يسعى النظام الإيراني إلى الاعتماد على هذا الجيش في تحقيق أهدافه الإستراتيجية خلال المرحلة المقبلة.
هناك مؤشرات وشواهد تثير القلق بالنسبة إلى خطط إيران الإقليمية خلال المـدى المنظـور، فطهـران منحت روسيـا قـاعدة همدان العسكرية رغم أنها تدرك أن تقـوية النفوذ الـروسي في سوريـا إلى حدوده القصوى ليس في مصلحتها تمـاما، ولكنها حصلت في ما يبـدو على وعـد بالصمت حيال طموحاتها الإستراتيجية الإقليمية.
ويحاول الملالي مجددا خداع العرب والمسلمـين بالزعم أن جيـش التحـرير الشيعي يستهدف “محو إسرائيل بعد 23 عاما” في محاولة كاذبة ومتكررة للمتاجرة بالقضية الفلسطينية رغم أن الجميع يعرف أن قيادات الحرس الثوري ومستشاريه وعناصره يقاتلـون في مناطق شتى من سوريا ولا علاقة لهم البتة بإسرائيل وحدودها.
اللافت أن الجنرال محمد علي فلكي، القيادي في الحرس الثوري وأحد قادة القوات الإيرانية في سوريا، قد أشار ضمنا في معرض حديثه عن جيش التحرير الشيعي إلى أن إيران ستستعين بأبناء نحو مليوني شيعي أفغـاني من اللاجئين المقيمين لديها في تكوين هذا الجيش، وأن الأعداد الهائلة من شيعة أفغانستان الذين يقاتلون تحت رايات الحرس الثوري الإيراني في سوريا يقاتلون من منطلق التزام ديني وليس قوميا.
المعنى في هذا الكلام أن إيران تفعل نفس ما تفعله تنظيمات الإرهاب مثل القاعدة وداعش وغيرهما من حيث الحشد الديني والاستعانة بعناصر مؤدلجة والدفع بها للقتال تحت رايات وأسباب دينية صرفة. لذا فإننا عندما نقول إن إيران دولة راعية للإرهاب فهو قول يعبر عن مكنون الحقيقة وليس سواها.
تصريحات الجنرال فلكي كشفت أيضا عن حقائق صادمة للمدافعين عن الزعيم نصر الله، الذي يدعي ارتداء ثوب الوطنية اللبنانية والقومية العربية، فقد أعلنها الجنرال الإيراني في وجه الجميع حين قال إن “إيران هي التي أوجدت حسن نصرالله” وصنعت منه زعيما لميليشيات “حزب الله”، وبالتالي فالحزب لم يكن نتاجا وطنيا لبنانيا كما يزعم مناصروه والمتعاطفون مع بطولاته الوهمية في دولنا العربية.
شخصيا، لا أعرف موقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي حيال إعلان دولة ما تأسيس جيش طائفي عقائدي للقتال في دول أخرى، فلو أن إسرائيل ذاتها أعلنت عن تكوين جيش يهودي لقتال المسلمين لقامت الدنيا ولم تقعد، فكيف يسمح لإيران بالإعلان عن تشكيل جيش من مرتزقة شيعة للقتال في ثلاث دول لا تزال، حتى الآن على الأقل، ضمن الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ويبدو أن المنظمة الدولية والقوى الكبرى لا تدرك خطر ترك إيران تتصرف كما يحلو لها في منطقة الشرق الأوسط، فلم يستوعب الجميع الدرس من خطورة الخروج على القانون الدولي حتى لو كان الهدف التخلص من خطر استراتيجي آني يتمثل في تنظيمات الإرهاب.
المؤكد أن إيران لا تحارب الإرهاب، ولا تقوم بتشكيل جيش التحرير الشيعي من أجل استئصال شأفة الإرهاب من المنطقة والعالم، فهي من وفرت البيئة اللازمة لتفريخ الإرهاب في العراق تحديدا عبر إشعال نار الفتن الطائفية بين شيعة العراق وسنته، وهي من حرضت الشيعة في هذا البلد العربي على أشقائهم من السنة، وهي من قامت برعاية خطط التطهير الطائفي في مدن عراقية عدة تحت مسميات ودواع ومزاعم مختلفة.
لاشك أن تشكيل جيش التحرير الشعبي هو دليل دامغ على تورط إيران في التدخل في أزمات دول المنطقة، ما يتوقع معه استنفار مضاد من جانب متطرفي الإسلام السني، وكأن إيران تلعب دورا خبيثا لاستحضار خطر التطرف وتنظيمات الإرهاب وضمان استمراريتها، حتى تتحقق خطط التقسيم والتفتيت في الدول المستهدفة بهذه الخطط والمؤامرات.