حظيت وفاة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي كان يتولى منصب رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام، بالكثير من اهتمام مراقبي الشأن الإيراني على الصعيديْن الإقليمي والدولي، وطرحت وفاته الكثير من التساؤلات حول اتجاهات إيران خلال المرحلة المقبلة، لا سيما بعد ما أثير من مزاعم في بعض التقارير الإعلامية حول ظروف وملابسات وفاة رفسنجاني، وتناقل بعض وسائل الإعلام تصريحات منسوبة إلى نجله اتهم فيها الملالي المتشددين بقتل والده.
معظم المحللين يرون أن وفاة رفسنجاني تفسح المجال أمام المتشددين لسحب السياسة الإيرانية نحو المزيد من التشدد والانعزالية، ويبررون ذلك بأن الحرس الثوري سيستغل وفاة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام في تعزيز نفوذه، بعد أن انتهى دور الرجل الذي اشتهر بالاصطدام بنفوذ القوة العسكرية الأبرز في البلاد. معظم التكهنات المطروحة حاليا سببها الرئيسي ليس وفاة رفسنجاني فقط، بل لأن هذه الوفاة قد جاءت قبيل نحو أربعة أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية في إيران، وهي انتخابات ذات أهمية استثنائية لأنها تأتي في ظروف بالغة التعقيد داخليا وخارجيا.
فعلى المستوى الداخلي هناك شكوك متنامية حول صحة المرشد الأعلى علي خامنئي وتدهور صحته، وهناك مخاوف حول خليفته المحتمل ومدى التزامه بالنهج الثوري، وهذه المخاوف ترتبط برحيل الجيل الأول من أتباع الخميني واختفائهم واحدا تلو الآخر من على الساحة، وهناك أيضا قلق داخلي إيراني حيال توجهات الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، ووجود احتمالية عالية للضغط على نظام الملالي من أجل إدخال تعديلات على الاتفاق النووي، الذي طالما حظي بانتقادات من جانب الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية التي توجت بفوزه في نوفمبر الماضي.
إقليميا، هناك تصاعد في التوتر بين إيران والسعودية، وهناك قلق إيراني بشأن استحواذ روسيا وتركيا على المكاسب الاستراتيجية المحققة في سوريا، في ظل بروز مؤشرات على إمكانية تضحية روسيا بعلاقاتها مع الحليف الإيراني من أجل الفوز بصفقة شاملة تضمن تسوية الخلافات مع الولايات المتحدة، حيث يحرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الفوز بعلاقات أفضل مع إدارة ترامب.
في ظل المشهد الإيراني الذي يسيطر عليه قادة متطرفون من الحرس الثوري بات مستقبل إيران ظلاميا بامتياز، فتحديد هوية المرشد المقبل سيكون، على الأرجح، بيد المتغطرسين من الملالي وقادة الحرس الثوري
في ظل هذه الأجواء والظروف تصبح للمتطرفين والمتشددين الإيرانيين فرصة كبيرة لإحكام قبضتهم على السلطة في إيران، لا سيما أن التوسع الاستعماري الإيراني في حروب الخارج، بشكل مباشر وغير مباشر، قد وفر فرصة ثمينة لجنرالات الحرس الثوري لتصدر المشهد الإيراني حيث أصبحت وسائل الإعلام العالمية تمتلئ بأخبـار الجنرال “التلفزيوني” قاسم سليماني أكثر مما تنشر من أخبار عن الرئيس حسن روحاني.
كما باتت أخبار إيران ترتبط بتصريحات تتناقلها وكالات الأنباء عن جنرالات مثل العميد حسين دقيقي، مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، الذي خرج علينا مؤخرا بتصريح سخيف ومستفز يقول فيه إن قوة إيران في المنطقة والعالم “حقيقة بيّنة للجميع ولا يشك فيها أحد”، في إشارة واضحة إلى استعراضات القوة التي تجريها إيران في سوريا والعراق تحت نظر وبصر العالم، الذي ترك لها الحبل على الغارب لتصول وتجول في هذين البلدين العربيين العريقين، بتواطؤ واضح من نظامين يدّعيان رئاسة بلديهما، في حين يتركان القرار والحل والربط في شؤونه بيد الجنرال سليماني وأعوانه.
لم يكتف الجنرال دقيقي بالمباهاة بما وصفه بقوة بلاده التي تحتل دولا أخرى، بل ذهب إلى القول إن صون “الأهداف الرسالية” لإيران يستوجب دعم ما أسماه بتيارات المقاومة والصمود الإسلامي. وهنا لم نجد أحدا يتوقف عند مفهوم “الأهداف الرسالية” وماذا يقصد بها دقيقي، ولو قالها البغدادي زعيم تنظيم “داعش” الإرهابي، أو الظواهري زعيم تنظيم “القاعدة” الإرهابي لوجدنا الكثيرين ينتفضون تحليلا وتدقيقا في الكلام عن الأهداف الرسالية.
كما وجدنا الغرب ووسائل إعلامه يهاجمان الدين الإسلامي الذي يرفع هؤلاء الإرهابيون لواءه، ولكن حديث دقيقي عن هذه الأهداف لم يلفت انتباه أحد، رغم أن ممارسات بلاده هي الوجه الآخر لتنظيمات الإرهاب باعترافه هو ذاته، فهو يزعم أنه يقاتل باسم الدين ويسعى إلى “أهداف رسالية”. ولا ندري أي أهداف تلك المخولة بها إيران، ثم أي تيارات مقاومة أو صمود يتحدث عنها هذا الجنرال الذي تناسى، تماما، أن يخبرنا عن أي صمود أو مقاومة يتحدث وهو من كلف حشوده الشيعية الطائفية البشعة بترحيل المسلمين من مدنهم وقراهم في العراق وسوريا، وتسكين نازحين شيعة بدلا منهم، وهو أيضا من يقود عمليات تغيير للهوية السنية الديموغرافية للمحافظات والمناطق السنية في هذين البلدين العربيين بزعم تحقيق “أهداف رسالية”.
مثل هذه التخرصات لا تقتصر على قائد عسكري واحد دون غيره في إيران، فهناك كثر، ومنهم أذكر العميد محمد جعفر أسدي، الذي يوصف بأنه المستشار الأعلى لقائد مقر “خاتم الأنبياء” المركزي، الذي قال أيضا خلال الأيام الماضية إن ما وصفها بـ”جبهة الدفاع عن الإسلام” قد بلغت سواحل البحر المتوسط، مضيفا أنه خلال فترة الحرب مع العراق كانت القوات الإيرانية “في خوزستان (جنوب غرب)، تبعد 10 دقائق عن خط الجبهة الأمامية، إلا أن خط جبهة الدفاع عن الإسلام بلغ اليوم سواحل البحر المتوسط”، وهو يقصد بطبيعة الحال وجود الحرس الثوري في سوريا، التي تمني إيران نفسها باحتلالها للأبد بالوكالة.
في ظل المشهد الإيراني الذي يسيطر عليه قادة متطرفون من الحرس الثوري بات بالفعل مستقبل إيران ظلامياً بامتياز، فتحديد هوية المرشد المقبل سيكون، على الأرجح، بيد المتغطرسين من الملالي وقادة الحرس الثوري، حيث سينصاع مجلس الخبراء غالبا لضغوط هؤلاء عند تحديد الترشيحات، فضلا عن أن جميع المرشحين الذين تتداول أسماؤهم في الإعلام كخلفاء محتملين لخامنئي ينتمون إلى التيار المتشدد بل المتطرف في إيران. علينا أن نتوقع ما هو أسوأ في المشهد الإيراني، فإيران تخلو، تدريجيا، من عقل يدير أمورها ويوجه بوصلتها بما يضمن للشعب الإيراني مصالحه الحقيقية، لا مصالح قادة الحرس وميليشياته.