يتجه الكثير من المحللين إلى القول بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيعمل على استرضاء إسرائيل عبر الاستماع إلى نصائحها في ما يخص الملف الإيراني، وهذا موضوع بحاجة إلى نقاش مستفيض، لاسيما أن هذا الطرح يصل إلى أن ترامب قد يأمر قواته بحرب ضد إيران استجابة لضغوط إسرائيلية.
المؤكد أن ترامب سيصغي إلى إسرائيل جيداً، ويستمع بعمق إلى نصائحها ووجهة نظرها، ولكن من قال أن إسرائيل تريد توجيه ضربة عسكرية إلى إيران وأنها ستوحي بذلك إلى الإدارة الأمريكية الجديدة؟ صحيح أن إسرائيل تنظر بقلق إلى النفوذ الإيراني المتنامي في العراق وسوريا ولبنان، وتشعر بقلق حيال وجود ميلشيات حزب الله اللبناني على الأراضي السورية، ولكن هذا السبب هو ذاته الذي قد يحول دون تبني خيار الحرب ضد إيران في التوقيت الراهن.
أي تفكير استراتيجي سليم يقتضي التعامل مع إيران على أكثر من مرحلة، أولاها تبدأ بلجم النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، والعمل على إخراج ميلشيات الحشد الشيعي والمرتزقة الذين جلبهم الملالي من دول عدة مثل أفغانستان وباكستان والعراق كي يقاتلون تحت رايات مذهبية في سوريا، ليس فقط دفاعاً عن نظام الأسد، ولكن أيضاً تنفيذاً لمخطط الملالي بشأن إعادة هندسة الديمغرافيا في كل من العراق وسوريا ومحاولة تغيير هوية هذين البلدين عرقياً ومذهبياً، أو على الأقل توسيع دائرة النفوذ الشيعي استعداداً لأي سيناريوهات انفصال أو تفكيك متوقعة في كلا الملفين.
والأهم مما سبق أن الولايات المتحدة قوة عظمى يصعب أن تقاد إلى حرب كبيرة بهذه السهولة التي ينظر إليها البعض، فخسائر القوى الكبرى في الحروب تفوق خسائر القوى الصغرى بمراحل، والحروب لم تعد تخاص بالأدوات التقليدية في كثير من الأحيان، لاسيما أن التجارب اثبتت أن الحروب غالباً ما تقوي الأنظمة المستبدة والديكتاتورية وتخلق لها شعبية وتوفر لها الذرائع القومية للبقاء. أضف إلى ذلك أن هناك عاملاً قوياً ومؤثراً له علاقة وثيقة بأي قرار لخوض الولايات المتحدة حرباً خلال المدى المنظور، ويتمثل في إعلان قادة في الجيش الاميركي قبل أيام أمام الكونغرس أن القوات الاميركية "منهكة"، وأنها تعاني تقادم التجهيزات العسكرية، وهي رسالة واضحة من هؤلاء القادة بأن الجيش الأمريكي غير قادرة على خوض حروب كبرى في الوقت الراهن.
الأرجح أن إسرائيل ستنجح في إقناع إدارة ترامب بضرورة التشدد في التعامل مع إيران، وعدم الانصياع إلى الضغوط الأوروبية بشأن المضي في الاتفاق النووي، فإسرائيل لديه مصلحة مؤكدة في انهاء هذا الاتفاق أو تجميده، والمهمة أمامها سهلة نسبياً لأن ترامب ذاته يرفض الاتفاق، بل وصفه بأنه "مشين"، ولا تنقصه الإرادة في هذا الشـأن كي يصل إلى مرحلة الضغط باتجاه إعادة التفاوض حول الاتفاق أو حتى الانسحاب انفرادياً منه.
المشهد بشكل عام يوحي بأن أياما صعبة تنتظر إيران في المستقبل المنظور، فالملف الإيراني يعد أحد أبرز أولويات الرئيس ترامب، ومن الصعب عليه أن يتراجع ويمضي في تنفيذ الاتفاق النووي، وبالتالي فإن خياراته في هذا الملف تبدو محدودة للغاية، وهي تنحصر في إعادة التفاوض، أو الانسحاب من الاتفاق، أو التصعيد العسكري المباشر ضد إيران، أو بناء استراتيجية حصار جديدة وتجاهل الاتفاق النووي بحيث يدفع إيران دفعاً إلى التخلي عنه أو ارتكاب حماقات تنسف الاتفاق من جذوره.
في مجمل الأحوال، إسرائيل أحد اللاعبين المؤثرين في مسار التعامل الأمريكي مع نظام الملالي خلال الفترة المقبلة، ولكن الأرجح أن مصلحة إسرائيل الاستراتيجية لا تكمن في الصدام مع إيران بعد أن باتت تقريباً على حدودها مع سوريا، ومن ثم فإن العمل على إخراج ميلشيات الملالي من سوريا ضمن أي تفاهمات جديدة سيكون أولوية للجانبين الأمريكي والإسرائيلي، وهنا تصبح روسيا في موقف صعب، فإما أن تضحي بحلفائها الإيرانيين، أو تعمل على التوصل إلى تفاهمات لا تخسر بموجبها أي من إيران أو إدارة الرئيس ترامب.
شخصياً، لست مقتنعاً كثيراً بأن إيران ترغب في تهديد إسرائيل بصواريخها، التي تجري عليها تجارب بين الفينة والأخرى، فمعظمها منظومات صاروخية قصيرة ومتوسطة المدى، وتهدد في معظمها دول مجلس التعاون لا إسرائيل، كما أن إيران تتباهى علناً باحتلال عواصم دول عربية أربع، ما يؤكد أن الهدف من استعراضاتها هو توسيع نفوذها الإقليمي على حساب دول عربية وليس على حساب إسرائيل بطبيعة الحال. وعداء الملالي لإسرائيل هو أحد شعاراتهم الزائفة، التي يتاجرون بها لكسب تعاطف البسطاء، فلم تطلق إيران رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل، رغم أن قاسم سليماني يتجول وسط ميلشياته في الأراضي السورية بالقرب من حدود إسرائيل، ولكنه يدرك تماماً أن إسرائيل ليست الهدف المرجو من المؤامرات الإيرانية التي تمضي على قدم وساق في الأعوام الأخيرة.