يدرك من يعرف أبجديات السياسة في منطقتنا أن إيران تمول وتدعم ميليشيات طائفية في اليمن ولبنان منذ سنوات طويلة مضت، والمسألة أقدم من أي شكوك أو اتهامات توجهها هذه الدولة أو تلك لإيران بدعم جماعة «الحوثي» في اليمن، أو ميليشيات «حزب الله» اللبناني.
العلاقات الوثيقة بين جماعة «الحوثي» وإيران أقدم من عملية «عاصفة الحزم» بسنوات، ونظرة واحدة على التاريخ القريب تؤكد ذلك، بل وتلفت الانتباه إلى انقلاب التحولات في اليمن، حيث نتذكر أن حكومة الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح قد اتهمت إيران بدعم جماعة الحوثي منذ نحو عشر سنوات مضت، فقد كانت البيانات الرسمية اليمنية تتوالى وقتذاك لتعلن عن ضبط سفن إيرانية تقوم بتهريب الأسلحة لجماعة «الحوثي»، كما وجه وزير الخارجية اليمني السابق أبو بكر القربي في عام 2009 دعوة مباشرة لإيران للتوقف عن دعم الحوثيين عسكرياً!
وبالتالي فإن العلاقة بين جماعة الحوثي وملالي إيران ليست على المستوى الأيديولوجي فقط، بل ترتكز على أسس أمنية، عسكرية لأن النظام الإيراني يخطط منذ سنوات طويلة مضت لاستنساخ تجربة «حزب الله» اللبناني في اليمن، ولاستخدامها في إطار استراتيجيات «الحرب بالوكالة» التي توظفها إيران في توسيع نفوذها الإقليمي وسعيها لبناء طوق حصار استراتيجي حول دول مجلس التعاون.
هذا الأمر معروف ومتداول على الصعد البحثية والرسمية المتخصصة، والمفاجأة الحقيقية هي في إصرار إيران على إنكار دعمها العسكري للحوثيين، رغم أن كل مطلع على أحوال هذه الجماعة البائسة يثق جيداً أن عناصرها لا يمتلكون أي مهارات أو بنى تحتية تتيح لهم انتاج أسلحة بدائية ناهيك عن الادعاءات الكاذبة بتطوير جيل جديد من الصواريخ الباليستية، يتعدى مداه الألف كيلو متر!!
من المضحك بالفعل أن يزعم قادة الحوثيين نجاحهم في تطوير صواريخ باليستية، فهذا الأمر مثير للشفقة والرثاء على حد سواء، ولكن من غير المنطقي في المقابل توقع اعتراف هذه العصابة بالحصول على الأسلحة والصواريخ من إيران.
مسألة مصدر الأسلحة والصواريخ التي يستخدمها الحوثيون في تهديد أمن دول مجلس التعاون إذن هي مسألة محسومة، لذا فقد حان الآوان بالفعل للتعامل مباشرة مع مصدر الخطر والتهديد الحقيقي وليس الاكتفاء بالواجهات والوكلاء والمرتزقة الذين يعملون لحساب ملالي إيران في مختلف دول المنطقة.
ربما ارتكب رعاة الحوثيين خطأ استراتيجياً فادحاً بإصدار تعليمات بتوجيه صاروخ باليستي يستهدف مطار الملك خالد في العاصمة السعودية الرياض، فقد توقعوا ردة فعل مماثلة لجرائم سابقة لهم، ولكن جاءت ردة الفعل السعودية حازمة صارمة في توجيه اتهام صريح لإيران بالتورط في إعلان حرب ضد المملكة العربية السعودية.
يدرك صانعو القرار في المملكة الشقيقة أن الحوثي يتلقى توجيهات مباشرة من طهران، وأن إطلاق الصاروخ قد صدر بتعليمات مباشرة من قادة إيرانيين لا يدركون عواقب ما يفعلون، أو يريدون جر المنطقة بأكملها إلى أتون حرب شاملة، لذا فإن تسمية الأمور بمسمياتها وتوجيه أصابع الاتهام لولاة أمر الحوثيين في إيران هو عين الصواب، ويمثل خطوة صحيحة في التصدي لخطط الهيمنة والتوسع الاستعماري الإيراني.
يلاحظ في الآونة الأخيرة تصاعد نبرة الخطاب السياسي الاستعلائي الإيراني، ابتداء من تصريحات روحاني التي قال فيها إنه لا يمكن البت في أي ملف من ملفات العراق وسوريا ولبنان وشمال أفريقيا من دون اخذ رأي إيران، مروراً بتصريحات علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي في بيروت مؤخراً، والتي أعلن فيها بشكل وقح فرص الحماية والوصاية على لبنان قائلاً إن «إيران تحمي استقرار لبنان»!
والحقيقة التي يتعامل معها الموقف السعودي الآن بصرامة وحزم هي أن إيران لب وجوهر المشكلة ومصدر الأزمات والمحرض الرئيسي على الفوضى والاضطرابات في اليمن وغيرها من دول المنطقة، وبالتالي لا بد من مواجهة هذا الأمر والعمل على التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة ككل ابتداء من العراق وصولاً إلى اليمن.
ما يحدث ليس صراعاً تقليدياً بل صراع تاريخي ممتد بعيد تماماً عن الإطار الديني، فالنفوذ الإيراني يتخذ من التشيع ستاراً وشعارات لجذب المؤيدين والمتعاطفين، ولكنه في حقيقة الأمر يخفي طموحات قومية فارسية يحلم بها الملالي الذين ينظرون بازدراء واستعلاء لافت إلى جيرانهم العرب.
الكرة الآن في ملعب المجتمع الدولي، الذي يجب أن يتوقف عن الاكتفاء بموقف المشاهد أو المتفرج على ما تفعله إيران، بل يجب أن يتحرك العالم في مواجهة الخطر الإيراني، الذي يهدد المنطقة بأكملها، فاستمرار إيران في توسيع نفوذها يمثل انقلاباً في معادلات الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي، وعلى العالم أن يدرك أن الملالي يمتلكون رؤية راديكالية معادية للحضارة والبشرية وتفوق في خطورتها خطورة تنظيمات الإرهاب، بل إن المسافة بين الخطرين هي المسافة التي تفصل بين تنظيم يمتلك بضعة آلاف من الإرهابيين ودولة تمتلك قدرات تسليحية قادرة على تهديد أمن دول المنطقة جميعها.