هناك بنود عدة مهمة ضمن نتائج اجتماع الوزاري العربي أهمها، برأيي، تكليف المجموعة العربية في نيويورك، مخاطبة رئيس مجلس الأمن لتوضيح الخروقات الإيرانية لقرار مجلس الأمن رقم 2231، فيما يتعلق بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية وما ينطوي عليه من طبيعة هجومية تقوض الادعاءات الإيرانية حول طبيعته الدفاعية، وما يمثله ذلك من تهديد داهم للأمن القومي العربي. وتكليف المجموعة أيضاً بمخاطبة رئيس مجلس الأمن لتوضيح ما قامت به إيران من انتهاكات لقرار مجلس الأمن 2216 بتزويد الميليشيات الإرهابية في اليمن بالأسلحة، واعتبار إطلاق صاروخ باليستي إيراني الصنع من الأراضي اليمنية تجاه مدينة الرياض بمثابة عدوان من قبل إيران وتهديد للأمن والسلم القومي العربي والدولي، وإبلاغه بضرورة قيام مجلس الأمن بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين.
هذا التفويض العربي يمثل خطوة مهمة على صعيد ما يعرف استراتيجياً بـ"بناء قضية" في المحافل الدولية، فلا يكفي العرب أن يتحركوا فرادى في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بل يجب العمل في نطاق جماعي وتوظيف مجمل أوراق الضغط المتاحة من أجل بناء قضية عربية يتم وضعها على أجندة
العمل والنقاشات الدولية خلال الفترة القليلة المقبلة.
لاخلاف على أن العرب يمتلكون أوراق ضغط قوية ومقدرة كبيرة على التحرك الفاعل في نطاقات الدبلوماسية الدولية، وكانت هناك حاجة ملحة إلى توحيد الجهود وبلورة صيغة مشتركة يتم التحرك بموجبها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي.
وهناك إيجابيات أخرى تحققت أيضاً في هذا الاجتماع، الذي وصفه معالي أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية بدولة الامارات بأنه "اجتماع تاريخي"ن وهو كذلك بالفعل، من هذه الإيجابيات الاستمرار في إدراج بند التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية على أجندة منتديات التعاون العربي مع الدول والتجمعات الدولية والإقليمية، والطلب من الأمين العام لجامعة الدول العربية، متابعة تنفيذ هذا القرار، وتقديم تقرير حول الإجراءات التي تم اتخاذها بهذا الشأن إلى الدورة المقبلة للمجلس.
إدانة الوزاري العربي الشديدة استهداف مدينة الرياض بصاروخ باليستي إيراني الصنع من الأراضي اليمنية من قبل ميليشيات «الحوثي- صالح» الموالية لإيران، وتأكيد حق المملكة العربية السعودية في الدفاع الشرعي عن أراضيها وفق ما نصت عليه المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، ومساندتها في الإجراءات التي تقرر اتخاذها ضد الانتهاكات الإيرانية في إطار الشرعية الدولية، وإدانة جميع الأعمال الإرهابية التي تقوم بها إيران في مملكة البحرين، وآخرها تفجير خط أنابيب النفط البحريني، واعتباره عملاً إرهابياً قامت به مجموعة مدعومة من إيران والحرس الثوري الإيران، هي في مجملها أيضاً من أهم المخرجات الصادرة عن هذا الاجتماع، كونها تحمل رسالة واضحة لإيران بأنها تتعامل مع المجموعة العربيةن ولم تستطع تشتيت الصف العربي وبث الفرقة بين دوله كما تحاول دائماً.
نجح الاجتماع أيضاً في بناء قضية متكاملة بشأن التهديدات الإيرانية حيث تناول مجمل القضايا الخلافية التي تخص العلاقات العربية الإيرانية، ولم يتعامل مع حالات عابرة، فقد تناول ايضاً قضية الاحتلال الإيراني لجزء الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) وشدد على إدانة المجلس استمرار احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث «طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى»، وتأييد الإجراءات والوسائل السلمية كافة التي تتخذها دولة الإمارات العربية المتحدة لاستعادة سيادتها على جزرها المحتلة طبقاً للقانون الدولي، وتطرق البيان الختامي أيضاً إلى إدانة المجلس الوزاري العربي سياسة الحكومة الإيرانية وتدخلاتها المستمرة في الشؤون العربية، والتي من شأنها تغذية النزاعات الطائفية والمذهبية، والتأكيد على ضرورة امتناعها عن دعم الجماعات التي تؤجج هذه النزاعات، وبالذات في دول الخليج العربي، ومطالبتها بإيقاف دعم وتمويل الميليشيات والأحزاب المسلحة في الدول العربية، خاصة تدخلاتها في الشأن اليمني، والتوقف عن دعمها للميليشيات الموالية لها والمناهضة لحكومة اليمن الشرعية، ومدها بالأسلحة وتحويلها إلى منصة لإطلاق الصواريخ على جيران اليمن، وتهديد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وهو ما ينعكس سلباً على أمن واستقرار اليمن ودول الجوار والمنطقة بشكل عام، ويعتبر خرقاً واضحاً لقرار مجلس الأمن 2216.
كما خص المجلس بالإدانة في موضوع التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية للدول العربية، التدخلات المستمرة في الشؤون الداخلية لمملكة البحرين، من خلال مساندة الإرهاب وتدريب الإرهابيين وتهريب الأسلحة والمتفجرات وإثارة النعرات الطائفية ومواصلة التصريحات على مختلف المستويات لزعزعة الأمن والنظام والاستقرار، وتأسيسها جماعات إرهابية بالمملكة ممولة ومدربة من الحرس الثوري الإيراني و«حزب الله» اللبناني الإرهابي،
والذي يتنافى مع مبدأ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
كما دان المجلس واستنكر تصريحات المسؤولين الإيرانيين التحريضية والعدائية المستمرة ضد الدول العربية، وطالب الحكومة الإيرانية بالكف عن هذه التصريحات العدائية والأعمال الاستفزازية التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. وقرر حظر القنوات الفضائية الممولة من إيران، والتي تبث على الأقمار الصناعية العربية، باعتبارها تشكل تهديداً للأمن القومي العربي، من خلال إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعرقية، نقطة مهمة أيضاً تتمثل في إشارة البيان الختامي لحزب الله اللبناني كمنظمة إرهابية، وهذا الأمر يعكس مستوى الاجماع العربي في تحديد مصادر التهديد للأمن القومي العربي.
صحيح أن هناك مواقف عربية مترددة أو متحفظة أو لها حسابات ذاتية في دعم الموقف العربي حيال التهديدات الإيرانية، ولكن المؤكد أننا تجاوزنا فكرة "الاجماع" التي لم تعد موضع تطبيق في جميع المنظمات والتكتلات الدولية المؤثرة، لأن التمسك بها يتسبب في الجمود واثارة الخلافات، فضلاً عن أن الدول المركزية المؤثرة في العمل الجماعي العربي خلال المرحلة الراهنة كانت حاضرة وشاركت بقوة في اجتماع القاهرة، وهذا يؤكد أهمية قراراته من دون التقليل أو التهوين من دور الدول الأخرى.
إجمالاً، هذا الاجتماع خطوة أولية تؤسس لعمل جماعي فاعل في التصدي للتهديدات الإيرانية دولياً ووفق نهج سلمي متحضر، ويمثل أرضية ممهدة لطرح القضية في مجلس الأمن في مرحلة لاحقة إن لزم الأمر، ويؤكد رفض النهج الإيراني، وهي رسالة أو لنقل فرصة أخيرة لإيران لتعديل سلوكها في المنطقة.