في ردها على البيان الختامي الصادر عن اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة مؤخرًا، وصفت إيران البيان بأنه «لا قيمة له»، ونقلت وكالة «إرنا» عن بهرام قاسمي المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية قوله إن معالجة مشاكل المنطقة «التي نشأ معظمها من سياسات السعودية... ليس في إصدار بيانات لا قيمة لها». وأضاف بهرام أن سیاسة بلاده «مبنية على تنظيم العلاقات الطيبة مع دول المنطقة، وبذل جهود مضاعفة في مجال مكافحة الإرهاب، والمساعدة لحل الأزمات»!
هذه التصريحات تكشف بدقة طبيعة المشكلة التي تخيم على العلاقات بين الدول الخليجية والعربية من ناحية، وإيران من ناحية ثانية، حيث يعاني الملالي داء الغطرسة والاستعلاء القومي الفارسي، وهذا الاستعلاء المرفوض يقف وراء وصف بيان صادر عن وزراء خارجية الدول العربية إجمالًا بأنه «لاقيمة له»، ثم بعد ذلك تتحدث إيران عن «علاقات طيبة» مع دول المنطقة!!
لا خلاف على أن ردة الفعل الإيرانية تكشف طبيعة النوايا العدوانية التي تغلب على نظام الملالي، وذلك رغم أن الدول العربية اتجهت إلى العمل تحت مظلة الشرعية الدولية، ووفق مقرراتها، التي تنص في المادة (35) من الفصل السادس لميثاق الأمم المتحدة على أن «لكل عضو من (الأمم المتحدة) أن ينبه مجلس الأمن أو الجمعية العامة إلى أي نزاع أو موقف من النوع المشار إليه في المادة الرابعة والثلاثين»، تنص على أن «لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعًا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي»، حيث كلف الاجتماع المجموعة العربية في نيويورك، بمخاطبة رئيس مجلس الأمن لتوضيح الخروقات الإيرانية لقرار مجلس الأمن رقم 2231، فيما يتعلق بتطوير برنامج الصواريخ الباليستية وما ينطوي عليه من طبيعة هجومية تقوض الادعاءات الإيرانية حول طبيعته الدفاعية، وما يمثله ذلك من تهديد داهم للأمن القومي العربي. وتكليف المجموعة أيضًا بمخاطبة رئيس مجلس الأمن لتوضيح ما قامت به إيران من انتهاكات لقرار مجلس الأمن 2216 بتزويد الميليشيات الإرهابية في اليمن بالأسلحة، واعتبار إطلاق صاروخ باليستي إيراني الصنع من الأراضي اليمنية تجاه مدينة الرياض بمثابة عدوان من قبل إيران وتهديد للأمن والسلم القومي العربي والدولي، وإبلاغه بضرورة قيام مجلس الأمن بمسؤولياته تجاه حفظ الأمن والسلم الدوليين.
هذا التكليف يتوافق تمامًا مع مقررات الشرعية الدولية والمسار الذي رسمته للتعاطي مع ارهاصات النزاعات والأزمات، وهذا هو الفارق بين دول مسؤولة وتعمل في إطار التزاماتها الدولية، وأخرى تتخذ من البلطجة وسيلة للتعامل مع الدول الأخرى من دون أدنى اكتراث بمسؤولياتها الدولية المفترضة.
الواضح، بل المؤكد للجميع الآن أن إيران تصر على التعامل بعنجهية واستعلاء قومي وعنصري مع جيرانها العرب، وبالدرجة ذاتها تتجاهل مخاوف وعوامل قلق دول مجلس التعاون بشأن ترسانتها الصاروخية وعوامل الأمان في منشآتها النووية، ولاسيما مفاعل بوشهر، الذي يقع بعد نحو 240 كم فقط من شواطئ الخليج العربي في الجهة المقابلة، حيث أقيم هذا المفاعل وفق تقنيات قديمة ربما تتأثر بفعل الزلازل التي تتعرض لها إيران بشكل متكرر، كما ترى دول مجلس التعاون أن غياب الشفافية وبروز النوايا العدوانية للنظام الإيراني تجعل من الصعب الاستسلام والاقتناع بفكرة قبوله بوقف برنامجه النووي العسكري، كما تقول الدول الموقعة على «الاتفاق النووي»، لاسيما في ظل استمرار التجارب الصاروخية وتحدي الإرادة الدولة التي تطالب بوقف هذه التجارب والالتزام بمعاهدات الحد من الانتشار وحظر التسلح.
لا شك ان استراتيجية الدول العربية في التعامل مع الخطر الإيراني قد أربكت النظام الإيراني، لأن طهران لم تعتد صدور موقف عربي جماعي مشترك تجاهها، ولا بلورة للتعاطي الدبلوماسي العربي مع ما تمثله من تهديد وأخطار بمثل هذا النسق الاستراتيجي والعقلاني، الذي يرتب القضية للعرض بشكل مدروس على المجتمع الدولي، وعزل إيران تمامًا وفضح ألاعيبها، وبما يعزز موقف الدول الخليجية والعربية ويدعم شرعية أي تحرك تتخذه للدفاع عن مصالحها ومكتسباتها ومقدرات شعوبها.
والخلاصة أن التوافق والاتفاق العربي قد أربك طهران، لذا من المأمول أن تتبنى القوى الدولية موقفًا دوليًا مشابهًا حول آلية عمل مشتركة للجم الخطر الإيراني الجامح، فإيران تراهن دائمًا على اللعب في منطقة الخلافات الدولية حول توصيف ما يصدر عنها من سلوكيات وممارسات، وتراهن كذلك على لعب ورقة الصفقات والاغراءات الاقتصادية والتلويح بها في وجه الغرب، ولو أن القوى الدولية توافقت ونحت جانبًا ومؤقتًا مصالحها قصيرة المدى، فإن إيران لن تجد ممرًا آمنًا للهروب من الاستحقاقات والالتزامات الدولية، وتدرك أن مصير النظام يواجه الخطر، وهذا الأمر كفيل وحده بدفع الملالي إلى التراجع عن الغطرسة والاستعلاء في التعامل مع دول الإقليم والعالم.