تداولت تقارير إعلامية إيرانية الأيام الأخيرة أنباء عن اقالة الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس، الذراع الخارجية التوسعية للحرس الثوري الايراني، فيما ذكرت تقارير أخرى أن المرشد الأعلى علي خامنئي يتجه لتنصيب سليماني قائداً للحرس الثوري بدلاً من الجنرال محمد علي جعفري بعد تفاقم الخلافات بين سليماني وجعفري!
أياً كان قرار خامنئي، فإن الثابت والمشترك في هذه التقارير أن الخلاف بين جعفري وسليماني ناجم عن الفساد المتفشي في ميلشيات فيلق القدس التي يشرف عليها سليماني، الحاكم الآمر في مليارات الدولارات من أموال الشعب الإيراني، التي ينفقها الملالي في تنفيذ مخططاتهم التوسعية!
هذه الأخبار ليست مجرد شائعات، فالوكالات الإيرانية التي تداولتها معروفة بعلاقتها الوثيقة مع النظام، ومنها وكالة "آريا" التي نشرت تقرير حول احتمال اقالة سليماني من منصبه ثم حذفت التقرير من صفحتها بعد ساعات قلائل، فيما ذكرت صحيفة "طهران تايمز" عى موقعها الالكتروني أن المرشد الأعلى ينوي تعيين سليماني بدلاً من جعفري قائداً عاماً للحرس الثوري!
هناك تفسيرات عدة لهذا التطور المفاجئ من بينها الفساد بطبيعة الحال، ولكن الخلافات حول تفشي الفساد ليست طارئة بل متكررة، وبالتالي فإن المتغير الطارئ في هذا التطور يتمثل في استعداد إيران لمرحلة ما بعد الاتفاق النووي، ووجود احتمالية عالية لنشوب صراع عسكري مع إسرائيل.
الجنرال جعفري، بحسب تقرير وكالة آريا، قدم تقريراً حول الفساد في ميلشيات فيلق القدس، وأن المرشد اتخذ بناء على هذا التقرير "قرارات ثورية"، ولكن المؤكد أن توقيت هذه القرارات لا يفسر بروز موضوع الفساد، لأن الخلافات بين القادة الإيرانيين حول الفساد متكرر ومعروف كما ذكرت سالفاً، وبالتالي ليست من المنطقي اتخاذ قرارات للتصدي المزعوم للفساد في توقيت بالغ الحساسية والخطورة من الناحية الاستراتيجية!
من بين التفسيرات المحتملة لهذه الخطوة هو خشية نظام الملالي من اغتيال الجنرال سليماني في سوريا أو العراق، وهي احتمالية باتت واردة بقوة في ظل الشواهد الراهنة للتصعيد والتوتر بين إيران وإسرائيل، وبالتالي يخشى الملالي من حدوث هذا السيناريو الذي سيضعهم في خانة بالغة الحرج داخلياً وخارجياً، بحيث لن يكون امامهم سوى الرد بسرعة على إسرائيل، وهي خطوة اعتقد شخصياً أن الملالي لا يرغبون بها، وأنهم يفضلون استراتيجية الحرب بالوكالة، ويرفضون خوض مواجهات تقليدية مباشرة، ولو على أرض الغير، لأن هذه الحرب ستفضح هشاشة قواتهم وضعف استراتيجيات القتال الإيرانية، التي لا تقدر على مجابهة جيش حديث ومتطور كالجيش الإسرائيلي!
الفساد إذاً قائم وموجود، ولكنه يوظف الآن كورقة لتبييض وجه نظام الملالي وصرف الأنظار عن السبب الحقيقي وراء السعي لإبعاد الجنرال سليماني عن مسرح الأحداث في سوريا!
التقارير الإعلامية تشير إلى أن الشكوك حول الفساد بدأت منذ فترة رئاسة احمدي نجاد، وأن هناك رسائل متبادلة بين نجاد وسليماني حول ضرورة تفسير أسباب الفساد والاختلاسات في ميلشيات فيلق القدس، ما يعني أن السرقات قديمة والفساد أقدم، وأن فتح الملف بعد هذه السنوات له بعد آخر يختلف عن جدية الملالي في محاربة الفساد والحفاظ على أموال الشعب الإيراني، لأنهم لو أرادوا ذلك لحاسبوا سليماني منذ سنوات طويلة مضت وليس وسط تباهي النظام الإيراني بما حققه من توسع ونفوذ في سوريا!
فضحت التقارير حول هذا الموضوع كيف يوزع الملالي أموال الشعب الإيراني بمعرفة سليماني على زعماء الميلشيات في دول عدة، والأغرب من ذلك أن قمة هرم السلطة السياسي في إيران، ومنهم احمدي نجاد كان يتلقى الأموال السائلة من سليماني كي يقوم بنقلها إلى قادة دول أخرى!
هل هذا هو الاقتصاد المقاوم الذي يتباهيا لملالي بأنهم نجحوا في بنائه من أجل مواجهة العقوبات الاقتصادية في حال انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي؟!
من المعروف أن الحرس الثوري الإيراني يمثل عصب الاقتصاد الإيراني، ويمتلك قاعدة صناعية واقتصادية ضخمة تبلغ نحو خمسة آلاف شركة لا تخضع لأي رقابة، وأن الحرس يحقق نحو 40 مليار دولار أرباح سنوية من أنشطة التهريب والالتفاف على العقوبات، وأن قادة الحرس يرغبون في إطالة أمد العقوبات من أجل أرباحهم ومصالحهم الشخصية!
المؤكد أن رائحة فساد الحرس الثوري باتت تزكم أنوف الملالي وأن قادة الحرس ربما باتوا خارج سيطرة قادة النظام السياسي، وبات من الصعب لجم طموحاتهم التي تهدد النظام بالسقوط والانهيار بسبب رغبة قادة الحرس في الزج بالبلاد في مواجهات عسكرية مع الغرب، والمؤكد أيضاً أن سطوه نجم سليماني وزيادة نفوذه باتت تهدد نفوذ القادة وربما يكون ذلك قد أنتج رغبة جامحة في السيطرة عليه بأي شكل من الأشكال.
أياً كانت الأسباب والذرائع فإن الفساد مسألة مؤكدة في نظام الملالي، وأن الفساد وتوزيع الأموال بدون ضوابط لن ينتج سوى نظام توسعي فاسد يحقق أحلام قادته بغض النظر عن مصالح الشعب الإيراني.