صمت نظام الملالي الايراني لمدة ثلاثة أسابيع تقريباً ولم يعلق رسمياً على مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، حتى أن هذا النظام لم يعلق على البيان السعودي الذي أقر بمقتل خاشقجي في القنصلية السعودية في شجار مع عناصر كانت تحاول إقناعه بالعودة إلى المملكة.
استغرب البعض الصمت الإيراني الرسمي، ولكن لم يكن هناك شك في أن نظام الملالي كان ينتظر اللحظة المناسبة للظهور في المشهد، لاسيما أن هذا النظام كان يعرف مسبقاً أن الصمت أفضل من الكلام في هذه اللحظة التي تتعرض فيها المملكة الشقيقة لضغوط غربية، وأن هذه الضغوط تصب في مصلحة إيران التي تنتظر بدء سريان العقوبات الأمريكية الخاصة بحظر بيع النفط الإيراني، والتي لم يتبق على سريانها سوى أيام معدودات.
راهن نظام الملالي منذ بداية الأزمة على حدوث وقيعة كبرى بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن قادة هذا النظام خرجوا عن صمتهم وتحدثوا للإعلام في توقيت لافت للغاية، حيث قالت إيران على لسان رئيسها حسن روحاني أن مقتل خاشقجي «جريمة منظّمة لم تكن لتحصل لولا دعم الولايات المتحدة للرياض»، وأن «الفكر الذي أدى إلى قتل خاشقجي هو الفكر نفسه الذي أنشأ تنظيم داعش في المنطقة»!
الحقيقة أن توقيت تصريحات روحاني لافت كونه يأتي بعد يوم واحد فقط من خطاب الرئيس أردوغان الذي فهم منه الكثيرون أن تركيا لا تريد التضحية بعلاقاتها مع السعودية، وأنها لن تغامر بصدام مباشر مع المملكة، كما ثبت للجميع أن الولايات المتحدة لن تفكك علاقة التحالف الاستراتيجية مع السعودية، وأنها تنظر للأزمة بعيداً عن هذه العلاقات تماماً، وهو ماعكسته تصريحات الرئيس ترامب جميعها، والتي أكد فيها على أهمية عدم المساس بالتحالف الأمريكي ـ السعودي.
تطورات الأزمة، رغم ما يشوبها حتى الآن من تعقيدات وما يطرأ عليها من تطورات، يبدو مخيبا لظنون نظام الملالي، الذي كان يعتقد الأسوأ في الموقف السعودي، وعندما خابت الظنون خرج الرئيس روحاني لينفث سمومه قائلاً إن «هناك ما يشبه قبيلة تحكم دولة في السعودية وتتمتّع بدعم أمني وترتكب جريمة كهذه استناداً لحماية قوة كبرى لها»! والأغرب أن روحاني يقول إن «الجريمة تمثّل امتحانا لمدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان في أوروبا وأمريكا» وكأنه يتغافل عن سجل نظامه الإجرامي في مجال حقوق الانسان! فإيران ذاتها صاحبة واحد من أسوأ سجلات حقوق الانسان في العالم بشهادة جميع المنظمات الحقوقية الدولية المتخصصة، وفي مقدمتها «هيومان رايتس ووتش» التي اعتبرت في تقرير عام 2017 أن أوضاع حقوق الانسان في إيران «مأساوية»!
اعتبر نظام الملالي أن تداعيات أزمة خاشقجي ربما تؤثر في فاعلية الجهود الأمريكية لمحاصرة المشروع الإيراني في الشرق الأوسط، وأن الخلاف مع السعودية قد يعرقل جهود التعاون من أجل زيادة تدفق النفط السعودي للأسواق العالمية حفاظاً على استقرار الأسعار، ولكن من يعرف طبيعة التحالف السعودي ـ الأمريكي يدرك أن السعودية دولة مسؤولة وتتصرف وفقاً لالتزاماتها كقوة اقتصادية ضامن للاستقرار الاقتصادي العالمي، وبالتالي من المستبعد تماماً أن تتخلى عن هذه الالتزامات.
ربما تكون الجهود السعودية الأمريكية للتعاطي مع التهديد التوسعي الإيراني قد تعرضت لأزمة مؤقتة، ولكن الأمر المؤكد أن الأزمة سيتم تجاوزها فهي ليست الأولى من نوعها في تاريخ العلاقات بين الحليفين، فهي أزمة عابرة قياساً على ما شهدته هذه العلاقات منذ تأسيسها.
يراهن نظام الملالي الآن على انشغال الجميع بأزمة مقتل خاشقجي وتفكك عرى التحالف الذي كان يستهدف محاصرة التوسع الإيراني، ولكن هذا الظن سيخيب، وستعود إيران إلى صدارة الاهتمام مجدداً عن قريبن وسيخبو فحيح الافاعي في أزمة خاشقجي.