اعتاد نظام الملالي الإيراني أن يستعيد خطاباً مكرراً حيال دول الجوار كلما استشعر ازمة استراتيجية تهدد وجوده ومصيره، ومع تفاقم الضغوط الدولية والإقليمية وانكشاف المخطط التوسعي لهذا النظام أمام العالم اجمع، وتعريته سواء في مؤتمر وارسو أو من خلال ممارساته ذاتها التي تفضح نواياه في سوريا والعراق واليمن وغيرها، عاد الرئيس الإيراني حسن روحاني للحديث عن "رغبة بلاده في إقامة علاقات وطيدة مع جميع الشعوب الإسلامية في الشرق الأوسط".
هذه "الرغبة" المٌخادعة بقيت أسيرة الاعلام ولم تترجم إلى سلوك سياسي وممارسات على أرض الواقع من قيام ثورة الخميني عام 1979، فهي مجرد ذريعة لا تعكس بشكل جاد نوايا الملالي تجاه دول الجوار، وهناك دلائل عدة على ذلك أولها أن روحاني قد انتقد في التصريح ذاته تعاون دول المنطقة مع الولايات المتحدة ودول أخرى معتبراً أنها "اختارت الطريق الخطأ" وأن "المسلمين فقط هم من يستطيعون ضمان أمن المنطقة"، وهذا كلام ينطوي على دلالات عدة أولها صعوبة تخلي النظام الإيراني عن فكرة التعالي والرغبة في الهيمنة على دول الجوار، فإيران تريد أن تكون الحاكم بأمره او بتعبير سياسي أدق "شرطي المنطقة" الذي يأمر فيطاع في عصر سقطت فيه مثل هذه الممارسات القديمة، وبات من الصعب القفز على مبادئ السيادة واحترام حق الدول في ممارسات سيادتها على أرضها وفي قرارها وسياساتها الخارجية، في حين يريد نظام الملالي أن يٌملي على دول المنطقة سياساتها ويختار لها الحلفاء ويحدد هوية الدول التي تتعاون معها!
منطق الاملاء والهيمنة لم يعد مقبولاً في العلاقات الدولية، فهناك توازنات قوى جديدة وتحولات في الاوزان والاثقال الاستراتيجية للدول بحكم متغيرات الاقتصاد والتنمية والدفاع والأمن وغير ذلك، ولكن نظام الملالي لا يزال أسير أفكاره القديمة، ورؤاه الضيقة بشأن دول الجوار، و لا يزال يزعم الحديث عن علاقات "أخوية وودية" مع دول الجوار الخليجية رغم تدخلاته المعروفة في الشؤون الداخلية لبعض هذه الدول كما يفعل مع مملكة البحرين الشقيقة، وتدخلاته العسكرية عبر وكلائه الحوثيين في اليمن، وممارسة كل ما يضر بأمن واستقرار المنطقة سواء عبر استمرار احتلال الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى) ورفض كل البدائل التي تطرحها الدبلوماسية الإماراتية لتسوية هذه القضية سواء من خلال حوار جاد مباشر او إحالة القضية إلى التحكيم الدولي، فضلاً عن الدور التوسعي للميلشيات الطائفية التابعة للحرس الثوري الإيراني في سوريا والعراق وغيرهما.
يقول الرئيس الإيراني أن بلاده "لم تكن البادئة بأي عدوان في المنطقة"، ولا أدرى كيف يتجاهل كث هذه الممارسات حين يشير على عدم البدء بأي عدوان؟ أليس في التدخل في شؤون الدول الأخرى عدوان واضح على سيادة هذه الدول وانتهاك لمبادئ القانون الدولي؟! وماهو التوصيف المناسب لتسليح ميلشيات الحوثي كي تتغول على السلطة الشرعية القائمة في اليمن وتحاول السيطرة على مفاصل الدول اليمنية منذ عام 2014 وحتى الآن؟
الحقيقة أن النظام الإيراني يحاول تجميل وجهه وغسل سمعته كلما دارت حوله الدوائر، ويمارس هذه اللعبة المتكررة من خلال لعبة أخرى هي توزيع الأدوار على قادة النظام، فعلى سبيل المثال تأتي هذه التصريحات التي ترتدي ثوب المهادنة بعد أيام قلائل من استعراضات عسكرية للحرس الثوري الإيراني بمناسبة الاحتفال بذكرى الثورة الخمينية، حيث أطلق قادة الحرس العديد من التصريحات والتلميحات التي تكشف نوايا عدوانية، كما حفلت بلهجة متغطرسة لا تليق بدول ونظام يسعى إلى بناء حالة من الثقة وحسن الجوار في منطقة الخليج العربي.
أمن منطقة الخليج العربي لن يتحقق بشكل كامل في ظل سياسات توسعية إيرانية، كما يظل بعيد المنال في ظل نوايا عدوانية إيرانية تجاه دول الجوار، كما لن يتحقق بالتصريحات الوردية والسعي للظهور بمظهر الساعي للسلام والاستقرار، بل بإجراءات وممارسات وتغيير حقيقي في السلوك السياسي للنظام الإيراني، وهذه هي الاختبار الحقيقي لنظام لا يدرك أن نواياه مفضوحة ومكشوفة وأن الجميع، القريب والبعيد، يدركون زيف أي ادعاءات إيرانية بشأن حسن الجوار.