أكثر ما يمكن توقع حدوثه في الظروف الراهنة أن ترتكب ميلشيا الحرس الثوري الداعمة لنظام الملالي في إيران حماقة استراتيجية تشعل نار الحرب مع الولايات المتحدة؛ وهذا الاحتمال ليس تخميناً بل هو استنتاج قائم علي تفهم ذهنية قادة هذه الميلشيا، التي تأتمر بأوامر المرشد الأعلي علي خامنئي، ولكن لديها أجندة خاصة موازية، بل ومعاكسة، لأجندة الشعب الإيراني، الذي لا يريد الحرب بالتأكيد في حين أن سيناريو الحرب ربما بات أقرب إلي الشرط الحتمي لإطالة عمر هذه الميلشيات ومنح قبلة الحياة لمخططاتها التوسعية الإقليمية.
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حذر النظام الإيراني من ارتكاب ما وصفه بـ »خطأ كبير»، واعتقد أن هذا التحذير مرتبط باتهام الولايات المتحدة لإيران بالإعداد لهجمات علي مصالح أمريكية في الشرق الأوسط، وهذا يعني وعي الولايات المتحدة بنمط فكر الملالي، الذي يبدو اقرب إلي الأنظمة الانتحارية، ولا يجيد مطلقاً فنون الدبلوماسية والقواعد الحاكمة لإدارة الأزمات الكبري، ولذا فقد اتجه مباشرة للإعداد لشن هجمات وربما تسريب معلومات بشأن مخططاته في هذا الشأن، اعتماداً علي أن المسألة هي ورقة ضمن الحرب النفسية مع الولايات المتحدة، ما استدعي أن يكون الرد الأمريكي حاضراً وبقوة علي لسان الرئيس ترامب »إذا فعلوا أي شيئ، فسوف يتألمون كثيراً».
الألم بالنسبة لنظام الملالي هو رسالة يدركونها جيداً، لأن التحذير واضح وموجه إلي رءوس النظام الإيراني، بأنهم سيدفعون ثمن أي حماقات ترتكب في المرحلة الراهنة، حيث أشار الرئيس ترامب إلي أن إيران ستواجه »مشكلة كبيرة»و »لن يكونوا سعداء» بما قرروا وهذه تحذيرات موجهة بشكل مباشر إلي الملالي وليست ضد الشعب الإيراني، وأعتقد أن البيت الأبيض يدرك جيداً أن أكثر ما يخشاه النظام الإيراني هو مصيره السياسي، وبالتالي فإن الحديث عن استهداف هذا النظام بشكل مباشر في حال ارتكب أي أخطاء في ظل ظروف التوتر الراهنة، هو حديث ردع مدروس يوفر الفرصة للملالي كي يفكروا ألف مرة قبل أن يصدروا أوامر باستهداف المصالح الأمريكية إلي إحداث اضطرابات في منطقة الشرق الأوسط من خلال وكلائهم وعملائهم المنتشرين جغرافياً في المنطقة.
الإشكالية في السلوك الإيراني أنه يميل إلي استنساخ الأسلوب الكوري الشمالي في التعامل مع الولايات المتحدة، متجاهلاً كل الاعتبارات والعوامل الحاكمة في مسارات الأزمة الأمريكية ـ الكورية الشمالية، وهي اعتبارات تصنع فوارق استراتيجية لا يمكن لأي عاقل تجاهلها، فبالإضافة إلي مواقف القوي الإقليمية والدولية وتوازنات القوي، وأهداف ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها، فإن الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون يتسم بقدر هائل من القدرة علي المناورة السياسية والمراوغة التفاوضية، ويعرف جيداً متي يتقدم للأمام ومتي يتراجع، وليست لديه أي إشكالية في إعادة التموقع سياسياً وتفاوضياً بحسب ظروف وتطورات الأزمة، ولكن النظام الإيراني لا يمتلك هذه القدرات والطاقات لأسباب عدة أولها أنه نظام ثيوقراطي متشدد، قائم علي الشعارات الأيديولوجية البراقة، وجزء كبير من شرعيته في عيون أنصاره وأتباعه قائم علي فكرة »المقاومة» المزعومة، ما يجعل هامش المناورة لدي رأس النظام ضئيلا للغاية، بحيث يمكن وصفه بالفعل ـ كما ذكرت ـ بأنه نظام انتحاري، أقرب إلي فكر الميلشيات من فكر الدول واستراتيجياتها، حيث يحتاج إلي أمور كثيرة وظروف معينة كي يمكن له إعادة التموقع والاصطفاف سياسياً كما تفكر الدول!
يجد نظام الملالي نفسه في ظروف كثيرة أكثر ارتياحاً إلي أجواء التوتر والتصعيد العسكري، التي توفر له مناخاً مناسباً لتثوير الشارع الإيراني وإنهاء أي نقاشات حول الأزمات المعيشية والتنموية التي يعانيها عشرات الملايين من الشعب الإيراني، بل إنه قد يجد في توظيف التوتر الحالي وتحويله إلي أزمة كبيرة فرصة للإفلات من ردات فعل شعبية كبيرة متوقعة بسبب الفشل في معالجة الظروف الناجمة عن كارثة الفيضانات التي اجتاحت عشرات القري والمدن الإيرانية في الأشهر الأخيرة وتسببت في نزوح مئات الآلاف من السكان.
لا يفهم الملالي جيداً لغة الرئيس ترامب الذي يمسك بالعصا بيد ويلوح بالجزرة بيده الأخري، ويردون علي هذه الإشارات بتصريحات تعكس الجهل بقواعد اللعبة السياسية في أثناء الأزمات الكبري، وهذه العنجهية المفتعلة تصم آذانهم عن الإمساك بالفرص الاستراتيجية، ولكنها في الوقت ذاته تفتح المجال لنشوب صراع إقليمي واسع بسبب غباء السلوك السياسي الإيراني!