تبدو ردود أفعال النظام الإيراني في مواجهة العقوبات الأشد قسوة التي يتعرض لها، مثيرة للسخرية والرثاء في آن واحد معًا، فنجد هذا التخبط الهائل في تصريحات القادة الإيرانيين على المستويين السياسي والعسكري، فالمرشد الأعلى علي خامنئي قال ردًا على تطبيق استراتيجية "صفر صادرات"نفطية إيرانية، أن هذه العقوبات لن تمر من دون رد، فيما اتجه الرئيس روحاني لإطلاق تصريحات هاجم فيها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات بسبب تعويضهما للنقص المتوقع في أسواق النفط العالمية جراء حظر صادرات النفط الإيراني، علمًا بأن البلدين لم يعلنا ذلك رسميًا وأن مثل هذه الخطوة ـ إن تمت ـ فهي مسألة إجرائية وليست سياسية للحفاظ على استقرار أسواق النفط وسيطرة "أوبك" على الأسواق.
عادت التهديدات بإغلاق مضيق "هرمز"من جانب قيادات الحرس الثوري الإيراني، ولكن الحقيقة أن هذه التهديدات لم تعد تعطي الأثر النفسي لها حيث اكتشف العالم أن هامش المناورة المتاح أمام النظام الإيراني لتنفيذ مثل هذه التهديد يكاد يكون صفر، باعتباره خيار انتحاري بشكل المقاييس الاستراتيجية، فبدلًا من أن يفقد النظام عائدات تصدير النفط التي تقدر بعشرات المليارات من الدولارات .
المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية ضد النظام الإيراني هي مرحلة خنق هذا النظام واحتواء قدرته على التمدد والتوسع وانهاء دوره المثير للاضطرابات والفوضى في الإقليم، ولا شك أن رهان النظام الإيراني الأهم والأكبر يتمثل في استدراج الولايات المتحدة وحلفائها إلى حرب، وهذا ما تفطن إليه إدارة الرئيس ترامب جيدًا، ولا اعتقد أنها ستوفر الفرصة للنظام الإيراني لخلط الأوراق والإفلات من طوق العقوبات، باعتبار أن الحرب ربما تكون السيناريو الأكثر ملائمة في ظل المعطيات الراهنة لإبقاء النظام الإيراني على فرصه في حكم البلاد.
يدرك الملالي أن انهيار عائدات البلاد من النفط يعني انكشاف الأوضاع داخليًا وانهيار قدرة النظام على تمويل ميلشياته ووكلائه الطائفيين ما يمهد لانفراط عقد هذه المنظومة الخبيثة التي تغلغلت في جسد المنطقة ابتداء من اليمن وصولًا إلى سوريا والعراق. قد يجادل البعض بأن الطائفية التي تمثل القاسم المشترك في هذه الميلشيات يمكن أن توفر لها فرص البقاء، ولكن هذا الأمر غير واقعي لأن معظم هذه الميلشيات تتكون بالأساس من مرتزقة وعملاء تم جلبهم من دول مختلفة، فضلًا عن أن انقطاع التمويل عن بعضها الآخر مثل جماعة الحوثي في اليمن سينهي قدرتهم على مواصلة الفوضى التي ينشرونها في ربوع اليمن.
البعض يرى أن العقوبات تعني تجويع الشعب الإيراني، وهذا الأمر غير صحيح بالمرة لأن عائدات النفط لا تذهب إلى تمويل خطط التنمية بل تذهب إجمالًا لشركات الحرس الثوري وتمويل خططه ومشروعاته التوسعية الخارجية، ولو أن جزءًا من هذه المليارات يذهب لتحسين أوضاع الشعب الإيراني لما رأينا هذا التدهور الهائل والمستمر في مستويات المعيشة والغضب المكتوم في صدور ملايين الإيرانيين الذين يخشون التمرد خشية التعرض لبطش ميليشيات "الباسيج"!
أكثر ما يثير السخرية في تصريحات القادة الإيرانيين أنهم لا يقرأون ولا يتابعون ما يدور من حولهم ولا يزالون يعيشون أوهام الماضي، وتعميهم الغطرسة والكبرياء عن إدراك الفوارق المتنامية في ميزان القوة العسكرية بين إيران وبين من تعتبرهم أعدائها، فلا هم يرون قوة للولايات المتحدة ولا لغيرها، حتى أنهم لا يتصورون ضعف القوة العسكرية الإيرانية التي تعاني تراجعًا وضعفًا هائلًا في القوة الجوية وتغالي في الاعتماد على الميلشيات وخوض المواجهات غير التقليدية، فضلًا عن بعض منظومات الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى التي يمكن تحييدها عبر منظومات الدفاع الصاروخي المتطورة، فالحقيقة أن إيران من الناحية العسكرية هي نمر من ورق لا يخشاه سوى المرجفون، فالدول تستمد قوتها بالأساس من قوة جبهتها الداخلية وقوتها اقتصادها وقدرته على تحمل خوض الصراعات العسكرية وتحمل أعبائها، وفي الحالتين يبدو النظام الإيراني خالي الوفاض فلا يمتلك رصيد شعبي يذكر يؤهله لخوض حرب، وخزانته شبه خاوية وتعاني ولا تتحمل عواقب أي حرب!
على ماذا يراهن النظام الإيراني في ظل هكذا ظروف؟!، قناعتي أنه يراهن على قدرته على نشر الفوضى والاضطرابات، واثارة الذعر اقليميًا وعالميًا عبر الميليشيات والأذرع الطائفية والخلايا النائمة، ولكن كل هذه الأدوات يمكن تحييدها بسهولة لو تم اقتلاع رأس النظام، وهي مهمة ستتيح الظروف للشعب الإيراني أن يقوم بها من تلقاء نفسه في حال سمحت الظروف بذلك.