لم يعد بإمكان نظام الملالي الإيراني منذ الآن الاعتماد على وكلائه الطائفيين في تنفيذ أهدافه وارتكاب الجرائم والافلات بأفعاله والصاق التهمة بطرف مجهول، فالعالم أجمع بات متأكدًا من أن ميلشيا الحوثي الانقلابية في اليمن والحشد الشعبي في العراق وحزب الله اللبناني وحركات ومنظمات فلسطينية محددة، جميعها تأتمر بأوامر خامنئي وتنفذ ما يمليه عليها، وبالتالي فلم يعد ممكنًا الادعاء بأن إيران ليست طرفًا في أي جريمة لها ارتباطات واضحة بأجندة الملالي وأهدافهم.
هناك قاعدة في علم الجريمة تقول "ابحث عن المستفيد"، وفي مجمل الجرائم التي شهدتها منطقة الخليج العربي خلال الأيام الماضية، بدا المستفيد الإيراني واضحًا رغم محاولات الإنكار والتنكر التي أبداها هذا النظام من خلال الإيحاء بوجود طرف ثالث يريد الوقيعة بين إشعال حرب في منطقة الخليج العربي، أو إصدار بيانات استنكار للتغطية وخلط الأوراق وإرباك التحقيقات، ففي الجريمة الأولى الخاصة باستهداف أربع سفن تجارية بالقرب من المياه الإقليمية لدولة الإمارات، يمكن أن تكشف التحقيقات الجارية هوية منفذي الجريمة، بينما جاء تبني ميلشيا الحوثي لجريمة إطلاق طائرات مسّيرة إلى العمق السعودي وقصف منشأتين نفطيتين وتعطيل الضخ في خط أنابيب ينقل نفط المنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على البحر الأحمر، كدليل وبرهان قوي على ان تعليمات التنفيذ قد صدرت من طهران، لأن الرسالة التي حملها الاعتداء كانت تعني أن بإمكان نظام الملالي تخريب أي خطط سعودية لمواصلة تصدير النفط في حالة اغلاق مضيق هرمز من جانب إيران، ولم يكن لهذا الاعتداء تحديدًا أي علاقة بمزاعم الحوثيين حول اليمن وشعبه، فقد نفذوا تعليمات إيرانية وأثبتوا أنهم مجرد ذراع طائفية تأتمر بأوامر المرشد ويخوضون حربًا بالوكالة لمصلحته.
شخصيًا، استغرب من يوجه اللوم إلى الولايات المتحدة في التصعيد الحالي مع إيران، فمن قام بإصدار أوامر التخريب التي استهدفت ناقلات ومنشآت النفط تحديدًا يسكن في إيران وليس في الولايات المتحدة، ومن دفع بالتصعيد ليبلغ ذروته هم الملالي وليس البيت الأبيض، حيث كانت رسالة استهداف منشآت النفط السعودية تحديدًا بمنزلة تحد للعالم أجمع وليس للمملكة العربية السعودية والولايات المتحدة فقط، فقد أراد نظام الملالي إبلاغ الولايات المتحدة بأن حظر تصدير النفط الإيراني يعني منع تصدير النفط السعودي ليس فقط عبر مضيق هرمز ولكن أيضًا عبر خط أنابيب البحر الأحمر، بل واستهداف المنشآت النفطية ذاتها عبر الأذرع الإيرانية.
استراتيجية نقل الصراعات إلى أرض الخصوم التي تنتهجها إيران لم تعد مجدية، والأوراق باتت مكشوفة ويمكن للنظام الإيراني أن يدفع ثمنًا باهظًا لكل ما ارتكبه من مغامرات طائشة في المنطقة، ولكن الحكمة والعقلانية السياسية لا تزال تحول دون اتخاذ قرار المواجهة مع نظام انتحاري يواجه العالم من دون أي حسابات تتعلق بمصالح شعبه ودولته، فالملالي يتصرفون بمنطق الميلشيا، ويركزون على أمن قادة النظام فقط دون حسابات أمن واستقرار الدولة الإيرانية.
هذه الألعاب الإيرانية يدركها الجميع جيدًا، في المنطقة والعالم، وبالتالي فإن هامش المناورة أمام نظام الملالي قد ضاق فعليًا ولم يعد بإمكان هذا النظام مواصلة الاعتماد على خوض الحروب بالوكالة، بل سيدفع فاتورة أي مغامرة يقدم عليها وكلائه المنتشرين في دول المنطقة، وقد سبق أن حذرت الولايات المتحدة من الرد بشكل مباشر على إيران في حال تعرض مصالحها للخطر في دول المنطقة، إذ أن تمركز حاملتي طائرات أمريكيتين في المنطقة مع إعداد الخطط لإرسال أكثر من مائة وعشرين ألف جندي أمريكي وقاذفات ألـ "بي 52" ذات القدرات النووية، تؤكد جدية الولايات المتحدة في الرد على أي هجوم إيراني بحزم بالغ.
صحيح أن الرئيس ترامب قد أبلغ البنتاجون أنه لا يريد حربًا مع إيران، ولكن المؤكد أنه لن يتردد لحظة واحدة في توقيع أمر بتوجيه ضربة عسكرية قاصمة للنظام الإيراني في حال حدث اعتداء على المصالح أو القوات الأمريكية في منطقة الخليج، فالرئيس ترامب رجل صفقات لا يريد خسائر مادية ولكنه بالمنطق ذاته لا يريد أيضًا خسائر سياسية، فهو يراهن منذ خوض الانتخابات الرئاسية التي فاز بها على استعادة هيبة ومكانة الولايات المتحدة في العالم، وبالتالي فلن يجازف بخسارة كل ما حققه على هذا الصعيد ويتحول إلى نسخة مكررة من أداء الرؤساء الذين طالما انتقد عجزهم في التصدي لمخططات إيران بشان امتلاك سلاح نووي وبرامج تسلح صاروخية.