رغم انشغال القادة الإيرانيين بمحاولة إطفاء فورة الغضب التي تجتاح مدن العراق ولبنان، وتنذر بضياع استثمارات الملالي في توسيع النفوذ الطائفي وشراء الولاءات في دول عربية عدة طيلة السنوات والعقود الماضية، فإن أكثر ما يخشاه النظام الإيراني في الوقت والظروف الراهنة هو إعمال نظرية «الدومينو»، ومن ثم انتقال الاحتجاجات والتظاهرات الغاضبة عبر الحدود من العراق إلى إيران، نظرا لتشابه أسباب وعوامل الاحتجاج والغضب الشعبي، والتي تتفوق فيها الحالة الإيرانية بشكل خطير عن نظيرتها في العراق ولبنان، بسبب سياسات النظام الإيراني التي انتهت بالوقوع تحت طائلة عقوبات أمريكية هي الأقسى من نوعها في التاريخ، فضلا عن التزامات النظام بالإنفاق السخي وهدر موارد الشعب الإيراني على الميليشيات الطائفية في المنطقة العربية.
بحسب تقرير صدر مؤخرا عن وزارة الخارجية الأمريكية، صنفت إيران بأنها «ما زالت أسوأ دولة راعية للإرهاب في العالم»، وقال منسق شؤون مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية ناثان سيلز، في مؤتمر صحفي خصص لتقديم التقرير الأمريكي حول الإرهاب لعام 2018 إن «النظام الإيراني أنفق نحو مليار دولار لدعم وكلائه من الجماعات الإرهابية»! فيما أكد المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، براين هوك، في مقابلة مع قناة «العربية» أنه خلال عام من العقوبات الأمريكية «هوت مبيعات إيران من 2.5 مليون برميل إلى 120 ألفا»، مضيفا أن العقوبات تسببت في انهيار قطاع النفط في إيران، واعتبر هوك أن «نظام إيران ضعيف اقتصاديا اليوم بسبب العقوبات، مقارنة مع وضعه قبل عامين».
أسباب الغضب الشعبي في إيران لم تخمد ولا تزال كامنة تحت رماد الصمت خوفا من بطش عناصر الحرس الثوري وقبضته الحديدية التي استخدمها مرات عدة خلال السنوات القلائل الفائتة في ملاحقة المعارضة والتنكيل بكل من يعترض على سياسات الملالي؛ ففي العام الماضي، شهدت نحو 150 مدينة إيرانية تظاهرات غضب حاشدة، احتجاجا على الأوضاع المعيشية والاقتصادية المتردية، واليوم الأمور تزداد سوءا بسبب تأثير العقوبات الأمريكية التي تكاد تنهي صادرات النفط الإيرانية.
مؤشرات الاقتصاد الإيراني تزداد انهيارا بشكل تصعب ملاحقته، فالبنك الدولي قد عدل في يونيو الماضي توقعاته للاقتصاد الإيراني للمرة الثالثة عام 2019 في إطار تقييمه للاقتصاد العالمي، حيث وضع إيران في أسفل القائمة قبل نيكاراجوا متذيلة القائمة، مع نمو سلبي بنسبة 6ر3% وعدلها فيما بعد إلى 5ر4%!
السؤال الآن: هل تنتقل عدوى الاحتجاجات الشعبية إلى إيران؟ في الإجابة عن ذلك يصعب القطع بأي استنتاجات في ظل صعوبة توقع ديناميات الغضب المحركة للشعوب في منطقة الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة، ولكن يمكن الإشارة إلى سيناريوهات عدة، منها وجود احتمالية عالية لانتقال التظاهرات الغاضبة ضد الملالي إلى الشارع الإيراني، ولا سيما في حال نجح العراقيون واللبنانيون في تحقيق مطالبهم ودفع الدول إلى تبني سياسات للإصلاح، والحد من الفساد وملاحقة الفاسدين. ولكن من الضروري الإشارة إلى أن المسألة بالنسبة لنظام الملالي تختلف في الداخل عن الخارج، بمعنى أن نظرة هذا النظام للغضب السائد في العراق ولبنان حيال السياسات الطائفية المدمرة تختلف حتما فيما لو حدثت احتجاجات في الداخل الإيراني، حيث يدرك الملالي أن هناك إمكانية عالية للغاية لانهيار نظامهم وسقوطه تحت وطأة هشاشة الأوضاع الاقتصادية، وتحلل النظام وافتقاره لكل مقومات البقاء، ومن ثم سيكون الرد على أي تظاهرات في الوقت الراهن بأقسى مستويات العنف والقسوة، خاصة في بدايات أي احتجاجات شعبية لردع الباقين في المدن الإيرانية المختلفة عن الانضمام إلى حراك الشارع.
كما أن من المحتمل، وبدرجة عالية، أن يلجأ نظام الملالي في حال استشعر وجود مؤشرات لانفجار الغضب الشعبي إلى افتعال أزمة خارجية واسعة، لصرف أنظار الشعب الإيراني عن أزمات الداخل، وصرف أنظار العالم أيضا عما يحدث في الشارع الإيراني، ومن ثم فإن الميول الانتحارية التي باتت تسكن ذهنية الملالي في المرحلة الراهنة يمكن أن تتفتق عن أي مغامرة عسكرية إقليمية للإلهاء.
الخلاصة أن انفجار الشارع الإيراني بات واردا بقوة في ظل التهاب الأوضاع في العراق ولبنان، وفشل سياسات النظام الطائفية في هذين البلدين، ومن ثم ضياع مليارات الدولارات التي أنفقت على بناء نفوذ إيراني توسعي إقليمي، ولكن نظام الملالي الذي يمتلك مزاجا انتحاريا كارثيا قد يجلب إلى المنطقة مزيدا من الأزمات في محاولة للهرب والإفلات من الانهيار والسقوط ومواجهة مصيره المتوقع على يد الشعب الإيراني.