قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في خطاب وجهه مؤخراً إلى نحو ألف شخصية يهودية أمريكية بارزة بمناسبة عيد رأس السنة العبرية، ردا على سؤال عما إذا كانت واشنطن تنوي اتخاذ إجراءات أخرى علاوة على العقوبات بهدف "ردع العدوان الإقليمي الإيراني"، أن الولايات المتحدة ستستمر في موقفها الصارم تجاه إيران لكنها لا تتطلع إلى الحرب. وأضاف ترامب "لا أريد نشوب نزاع مسلح، اقتُرح علينا التفاوض وبحث القضايا العالقة، وأنا تحليت بضبط نفس كبير، وآمل في أن إيران ستختار السلام أيضا"
هذا الحديث المهم جاء عقب اخفاق الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في ترتيب لقاء قمة بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث كان واضحاً أن روحاني لن يخالف تعليمات المرشد الإيراني الأعلى بعد عقد اجتماع مع الرئيس الأمريكي، فحاول روحاني الالتفاف على ذلك انتزاع تنازل كبير من ترامب برفع العقوبات قبل عقد الاجتماع، وهو أمر رفضه بطبيعة الحال الرئيس الأمريكي.
هناك تقارير إعلامية إسرائيلية تقول إن الرئيس ترامب رفض استقبال مكالمة هاتفية من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عشية تكهنات محتملة حول عقد لقاء محتمل بين ترامب وروحاني، واعتبر محللون إسرائيليون ذلك بمنزلة رسالة من الرئيس الأمريكي بأنه لا يقبل النقاش في الموضوع وأنه سيوافق على مقابلة روحاني في حال نجح الرئيس ماكرون في مسعاه.
الواضح أنه رغم قوة الدعم الذي تلقاه إسرائيل من الرئيس ترامب، فإن لديه وجهة نظر استثنائية في موضوع إيران، وهو نفسها التي أعلنها امام القيادات اليهودية الأمريكية وهي منح أولوية مطلقة للتفاوض مع النظام الإيراني، متبنياً استراتيجية التريث حيال مناورات هذا النظام وانتهاكاته المتواصلة للقانون الدولي، حيث وضع ترامب خطاً احمر ضمنياً لهذه الانتهاكات يتمثل في الاعتداء المباشر على المصالح والأمن القومي الأمريكي أو التورط في قتل جنود أمريكيين.
هل يعني ذلك أن الرئيس ترامب قد استبعد تماماً خيار الحرب ضد إيران؟ الإجابة هي نعم مؤقتاً، بمعنى أن هذا الخيار لم يعد ضمن حسابات الرئيس ترامب في المدى المنظور الذي يمتد حتى الانتهاء من انتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، شريطة ألا يخترق النظام الإيراني الخطوط الحمر التي وضعها الرئيس ترامب لهذا النظام. هناك شواهد عدة تؤكد أن الرئيس ترامب يعطي أولوية لوجهة نظره ومصالحه السياسية فيما يتعلق بإيران تحديداً، ففي الوقت الذي قدم فيه الرئيس الأمريكي كل الدعم لحليفة نتنياهو في الانتخابات الأخيرة، فإنه لا يستمع له كثيراً فيما يخص إيران، ونتذكر كيف أن قرار سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية قد أزعج كثيراً إسرائيل.
الحقيقة أن الرئيس ترامب لا يخفي منذ بداية الأزمة الحالية مع إيران حرصه على عدم التورط في صراع عسكري مع إيران والرهان بشكل محوري على العقوبات كآلية لتركيع النظام الإيراني وإجباره على الجلوس لمائدة التفاوض، وبالتالي فهو لا يناور في هذه الجزئية ويتحدث بشكل واضح وصريح رغم أن هناك من ينتقد هذا النهج باعتباره انكشافاً استراتيجياً يغري النظام الإيراني بمواصلة الغطرسة والانتهاكات لكونه بمأمن ضربة عسكرية أمريكية محتملة.
والحقيقة أيضاً أن رؤية الرئيس ترامب قد تتغير في أي لحظة في حال ارتكاب النظام الإيراني خطأ استراتيجي مقصود أو ناجم عن سوء الحسابات والتقديرات باستهداف جنود أو مصالح أمريكية، وهذه مسألة واردة للغاية في ظل هيمنة المتشددين على مراكز صنع القرار الحيوية في النظام الإيراني، وليس أدل على ذلك من استهداف المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية مؤخراً كبرهان على وجود احتمالية عالية لصدر قرار طائش من أجنحة متشددة بضوء أخضر من المرشد الأعلى، وبالتالي فإن مسألة استبعاد خيار الحرب تماماً غير واقعية لأن المسألة ليست كلها بيد الرئيس ترامب بل مرهونة أيضاً على سلوكيات وتصرفات نظام الملالي، وهذه المسألة تحديداً غير مضمونة ومن الوارد أن يكون للحرس الثوري مزاجية هادفة إلى خوض صراع عسكري مفتوح مع الولايات المتحدة، ووقتها سيجبر الرئيس الأمريكي على توقيع قرار توجيه ضربة عسكرية لإيران، ولن يكون أمامه خيارات وبدائل أخرى تتيح له المناورة او الإفلات من اتخاذ هذا القرار بغض النظر عن عواقبه أو تأثيراته المحتملة على مستقبله السياسي.
الخلاصة إذن أن سيناريو الحرب قد يكون غير مرغوب من البيت الأبيض والرئيس ترامب تحديداً، ولكنه قد يقفز إلى الواجهة في أي وقت ويصبح خيار الضرورة، وهو أمر محتمل بدرجة يصعب تجاهلها سواء لخطأ محتمل في الحسابات الإيرانية جراء المزاج الانتحاري المهيمن على فكر الملالي الآن، أو لسوء إدراك من القادة الميدانيين بما يسفر عن خسائر جسيمة تجبر الولايات المتحدة على رد عسكري.