يتمادى ملالي إيران في تحدي القوى الكبرى الموقعة على اتفاقية العمل المشترك (الاتفاق النووي) عام 2015، حيث أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤخراً أن إيران بدأت تخصيب اليورانيوم في منشأة نظنز تحت الأرض باستخدام نوع ثان من أجهزة الطرد المركزي المتطورة (آي أر 4)، في انتهاك جديد لبنود الاتفاق النووي. وأكدت الوكالة في تقرير للدول الأعضاء أنها تحققت في الخامس عشر من مارس 2021 من أن إيران بدأت في ضخ سادس فلوريد اليورانيوم في سلسلة من 174 جهاز طرد مركزي آي.آر-4 ركبتها بالفعل في محطة تخصيب الوقود.
ومن المعلوم أن الاتفاق لا يسمح لإيران سوى بالتخصيب باستخدام الجيل الأول من أجهزة التخصيب (آي أر 1)، ورغم ذلك فإن إيران تخصب اليورانيوم منذ فترة باستخدام أجهزة الجيل الثاني من طراز (آي أر 2) ، وبحسب تقرير الوكالة، تخطط حالياً لتركيب سلسلة ثانية من أجهزة الطرد المركزي الجيل الرابع الأكثر تطوراً، والأكثر كفاءة بمراحل من أجهزة الأجيال السابقة.
ويشير تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أنه "بحلول 15 مارس 2021، كانت إيران تستخدم 5060 جهاز طرد مركزي آي.آر-1 جرى تركيبها في 30 سلسلة متتالية و522 جهاز طرد مركزي آي.آر-2 إم جرى تركيبها في ثلاث سلاسل متتالية و174 جهاز طرد مركزي آي.آر-4 جرى تركيبها في سلسلة واحدة، لتخصيب سادس فلوريد اليورانيوم الطبيعي بدرجة نقاء تصل إلى خمسة بالمئة في محطة تخصيب الوقود".
هناك أيضاً عمليات لتخصيب اليورانيوم تجري بدرجة نقاء تصل إلى 20% في منشأة فوردو النووية، وهذه جميعها محاولات إيرانية متسارعة للضغط على إدارة الرئيس بايدن للعودة بسرعة إلى الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق دونالدترامب منتصف عام 2018.
الحقيقة أن تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية لانتهاكات نظام الملالي لالتزاماته الواردة في الاتفاق النووي ليس جديداً، لأن قادة النظام أنفسهم يعلنون على الملأ منذ فترة أنهم بصدد التملص من التزامات إيران الواردة في هذا الاتفا، والحقيقة كذلك أن وتيرة هذه الانتهاكات قد تسارعت بشدة منذ تولي الرئيس دو بايدن السلطة في يناير الماضي.
هناك عوامل عدة تقف وراء هذا التحدي الايراني أولها ضعف أو ترهل الإرادة الدولية، حيث يدرك الملالي أن التحالف الأطلسي الذي عانى الانقسام خلال فترة ترامب لم يعد كمان كان سابقاً، رغم تعهدات الرئيس بايدن بالعمل المشترك مع الحلفاء، فموقف الترويكا الأوروبية (ألمانيا وفرنسا وبريطانيا) لا تزال أقرب إلى لعب دور الوسيط في محاولة تقريب وجهات النظر الأمريكية ـ الإيرانية بشأن من يعود للاتفاق أولاً، بينما تعاني إدارة الرئيس بايدن أزمة بدائل في التعامل مع نظام الملالي في حال فشل سياسة الصبر الاستراتيجي!
هناك أيضاً التفهم الصيني ـ الروسي لموقف ملالي إيران بشأن العودة الأمريكية للاتفاق أولاً، وهذا كله يشجع الملالي على المماطلة والتسويف وكسب الوقت من أجل تعزيز موقفهم التفاوضي بمراكمة المزيد من الانتهاكات وبالتالي مخزونات اليورانيوم المخصب.
الحقيقة أن الملالي يتلاعبون بالجميع والواضح أن الاستمرار في النهج السائد حالياً في إدارة الأزمة لن يفضي سوى إلى العودة بالكاد إلى البنود الأساسية للاتفاق، وهذا ما يهدف إليه الملالي منذ البداية حيث عملوا على تعقيد الأوضاع وإضافة المزيد من الصعوبات أمام فكرة البحث عن صيغة أكثر شمولاً تحل محل الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2015، وبدلاً من ذلك يدفعون باتجاه تعقيد جهود التأكد من مدى التزامهم بمستويات تخصيب اليورانيوم واجهاد فرق التفتيش الدولية في البحث عن المخزونات التي تم تصنيعها خلال فترة تعليق عمل هذه الفرق، ثم الدخول في تفاصيل أخرى يدرك كل من يتفهم تكتيكات المفاوض الايراني أنها ستلتهم سنوات الولاية الحالية للرئيس الأمريكي جو بايدن، وبحيث ينتهي الأمر في اختزال جهوده إلى إعادة تموضع الاتفاق النووي الحالي مع بلورة صيغة ما تستهدف إطالة أمده الزمني لا أكثر ولا أقل!
التخطيط الايراني يستهدف الافلات من محاولات لجم التمدد الاستراتيجي الايراني في الاقليم، والسيطرة على البرنامج الصاروخي، وحصر جهود الولايات المتحدة وحلفائها للدوران في فلك مربع الاتفاق القديم الملىء بالثغرات، وللأسف فإن هذا التخطيط يجري تنفيذه بانقياد تام من جانب القوى الكبرى!
صحيح أن أزمة تفشي جائحة "كورونا" قد أرهقت ميزانيات الجميع، وأن الحديث عن خوض مواجهات عسكرية قد تراجع بفعل تداعيات هذه الأزمة، ولكن الصمت على المخطط الايراني سيكون له ثمن أفدح بكثير من القبول بالعودة إلى تكرار أخطاء الماضي.