بات الاحتمال الأكثر ترجيحاً أن يبقى الشد والجذب بين الولايات المتحدة وإيران حتى مابعد انتهاء انتخابات الرئاسة التي ستحدد من يخلف الرئيس حسن روحاني، وكانت أحدث الاشارات الدالة على ذلك قد جاءت على لسان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان، الذي قال إن الجهود الرامية لإحياء المحادثات النووية الإيرانية تواجه صعوبات بسبب مشكلات تكتيكية، والوضع الداخلي في إيران قبيل الانتخابات الرئاسية هناك في يونيو (حزيران)؛ ولم يحدد دريان طبيعة المشكلة التكتيكية لكنه أضاف أنه "في حين أن هناك إرادة معلنة للعودة إلى المحادثات، لا تزال التوترات قائمة ومن الضروري المضي قدماً لتهدئة الوضع".
الوزير الفرنسي قال "نحن نرسل إشارات إلى الإيرانيين حتى نتمكن من العودة (للاتفاق النووي)، وهو ما سيكون مقدمة لنقاش أوسع يتجاوز خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) بشأن زعزعة الاستقرار الإقليمي وكذلك قدرات إيران الصاروخية... العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة هي مجرد نقطة البداية"، والحديث إلى هنا يبدو منطقياً، ولكن واقع الأمور في الحقيقة لا يبدو كذلك، فالملالي رفضوا مقترحاً أوروبياً بالجلوس على مائدة التفاوض مع الولايات المتحدة من أجل البحث في معضلة العودة للاتفاق النووي، ويراهنون على الضغط النفسي الناجم عن التقديرات والتقارير الاستخباراتية المتوالية التي تحذر من اقترابهم من حافة امتلاك قنبلة نووية.
هناك تقديرات استخباراتية تتوقع التوصل إلى اتفاق يقوم على تقديم تنازلات متبادلة وفق تكتيك قائم على "خطوة مقابل خطوة"، بمعنى استبعاد فكرة عودة أي من الطرفين بشكل تام إلى المربع الأول، ولكن تجزئة هذه العودة إلى خطوات متوازية بحيث يعود الملالي مثلاً إلى التزام جزئي بالتزاماتهم الواردة في الاتفاق النوويمقابل خفض جزئي للعقوبات الأمريكية وهكذا، وتحسباً لهذه الصيغة يسارع الملالي حالياً في انتهاك هذه الالتزامات كي يحصلوا على مقابل أكبر لكل تراجع عن هذه الانتهاكات المتزايدة، ويرفعون سقف القلق الغربي بالتلويح بالمزيد من الاجراءات في المستقبل القريب!
ويبدو أنه إمعاناً في إرباك الدوائر الاستخباراتية والسياسية الغربية، التي تراقب المشهد الايراني بدقة شديدة، وبالتأكيد تعرف جيداً لعبة توزيع الأدوار التي يمارسها الملالي، اتجه النظام الايراني مؤخراً إلى تسريب المواقف عبر "مصدر رفض ذكر اسمه" مع إن هذه الصيغة غير مألوفة تماماً في أدبيات الملالي، وهذا المصدر الذي وصف بأنه مقرب من المجلس الأعلى للأمن القومي، خرج مؤخراً عبر مصدر إعلامي إيراني ليهدد بأنه إذا لم ترفع العقوبات الأمريكية فإن طهران ستتخذ المزيد من الاجراءات في المستقبل القريب، وأن أي مقترح لا يتوافق مع سياسة طهران المعلنة لن يكون أساساً للتعامل معها، مشيراً إلى أنه لا يمكن للولايات المتحدة أن تعتمد على اقتراح لا ينطبق مع الشروط التي حددها المرشد الإيراني على خامنئي، وكان يعني في هذه النقطة رفض المرشد مبدئياً لمقترح العودة للاتفاق النووي وفق مقترح "الخطوة مقابل خطوة".