في كلمته أمام قمة البيت الابيض لمواجهة التطرف العنيف، التي عقدت مؤخرا، تحدث الرئيس الأمريكي باراك أوباما بكثير من التفصيل عن الرؤية الأمريكية للإرهاب وكيفية التعاطي معه خلال المرحلة المقبلة. وقد تضمنت كلمة الرئيس أوباما نقاط عدة مهمة أولها التركيز على فكرة القيم الأمريكية وأن هذه القيم هي الركيزة الأساسية للقيادة الأمريكية للنظام العالمي الجديد. كما كان أكثر جوانب كلمة الرئيس أوباما لفتا للانتباه أنه للمرة الأولى تناول مفهوم النصر على تنظيم داعش وفقا للتصور الامريكي.
وهذا التصور قائم على على استئصال التنظيم المتطرف جذريا من خلال وسائل المواجهة السياسية والفكرية والدينية والثقافية والعسكرية، بمعنى أن تحقيق الانتصار العسكري على التنظيم لن يكون نهاية المطاف في الحرب ضد هذا التنظيم، وربما يفسر هذا بشكل واضح تصريحات الرئيس أوباما والمسؤولين الأمريكيين المتكررة حول استمرار الحرب ضد الارهاب لعقدين أو ثلاثة عقود مقبلة، على أساس أن المواجهة على المستويات كافة لاستئصال الفكر الارهابي المتطرف هي معركة مستمرة وممتدة زمنيا وهذا صحيح بدرجة كبيرة وربما لا يكون هناك خلاف عليه بين المتخصصين، ولكنها ربما كانت هذه هي المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول أمريكية بشىء من التفصيل عن مواجهة الإرهاب فكريا من دون اعطاء الشق العسكري في الحرب ضد الارهاب اولوية مطلقة.
وبالاضافة إلى ماسبق فقد انطوت كلمة الرئيس الامريكي على نقاط أخرى مهمة قد لاتكون موضع اختلاف بين الدول الجليفة في الحرب ضد الارهاب، ولكن ما يثير الريبة والشكوك بالفعل في هذه الكلمة أن الرئيس أوباما ضد حاول ضمن القاء تبعات مسؤولية الارهاب على ممارسات بعض الأنظمة العربية، وتحديدا فيما يتعلق بمجال الحريات والاصلاح السياسي والتضييق على الرأي وما وصفه بتحقير الشعوب، من دون أن يشير من بعيد أو قريب إلى أن نشأة الارهاب بالاساس في منطقة الشرق الأوسط قد ولدت بسبب الاحتلال الاسرائيلي والقضية الفلسطينية وتوابعها وتأثيراتها وأبعادها الروحية والقومية والدينية لدى الشعوب العربية والاسلامية. ناهيك عما سببته السياسات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط من إشكاليات اتخذت منها تنظيمات الارهاب ذريعة لاشعال نار الفتن والعنف في العديد من دول المنطقة.
من يستمع لكلمة الرئيس أوباما يجد أنه قد حرص على التنصل تماما من المسؤولية عن نشأة التنظيمات الارهابية وسعي بكل الأساليب إلى القاء المسؤولية على كاهل الحكومات العربية التي تعاني وتدفع ضريبة الارهاب!!.
يدرك أي محلل موضوعي أن الرئيس الأمريكي لن يعترف بطبيعة الحال بمسؤولية سياسات بلاده عن نشأة الارهاب وتغوله اقليميا وعالميا، ولكن ليس من المنطقي بالمقابل أن يحاول الظهور بمظهر الضحية والاكتفاء بالوعظ والارشاد وتقديم النصائح لكيفية التصدي للارهاب.
طالب أوباما قادة الدول العربية بفعل المزيد من أجل استئصال الفكر الارهابي وهذا أمر متفق عليه وليس موضع خلاف بل إن معظم الدول العربية وقادتها قد انخرطوا في مواجهة قوية وصارمة وحازمة مع هذه التنظيمات الاجرامية، ولكن أوباما لم يتناول بموازاة ذلك مسؤولية الدول الغربية التي انتقل آلاف من رعاياها المسلمين إلى العراق وسوريا وانضموا إلى تنظيم داعش!!.
وإذا كان الارهاب قد تمدد في بعض الدول العربية بسبب سياسات قادتها ونظمها فكيف نفسر انضمام آلاف الغربيين، بما في ذلك عشرات الأمريكيين، إلى تنظيم داعش الارهابي؟ والمفارقة في هذا الإطار أن الاحصاءات تقول أن منتسبي تنظيم داعش من بعض الدول الأوروبية ربما يفوق كثير من الدول العربية التي تتهم بأن سياساتها تقف وراء انتشار التطرف والارهاب!!!.
مسؤولية مواجهة الارهاب هي مسؤولية دولية مشتركة بالدرجة الأولى، ومن ثم فلا داعي للالقاء التهم وتوزيع الاتهامات في هذا المجال، خصوصا أن التنظيمات المتطرفة نشأت وترعرت في بداياتها منذ عقدين أو أكثر في ظروف يعرف القاضي والداني أبعادها وحدود المسؤولية فيها ومن ثم فلا داعي للتنصل من هذه المسؤولية والأحرى بالجميع أن يتعاونوا بشكل جدي من أحل التصدي لوباء العصر.
شؤون دولية
رؤيـة أوبـامـا لـلإرهـاب (1ــــ 2)
- الزيارات: 1133