أسباب انتشار الارهاب وتنظيماته التي أوردها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في كلمته امام قمة البيت الأبيض لمواجهة التطرف العنيف هي أسباب تتعلق جميعها بالدول العربية من دون أن يتناول ولو بشكل غير مباشر أو يمر عبور سريعا على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذه الظاهرة البغيضة، متمثلة في الممارسات الاسرائيلية التي استغلتها القاعدة في البداية لكسب تعاطف الشعوب العربية والاسلامية.
تناسى الرئيس أوباما أن القاعدة وغيرها من تنظيمات الارهاب لم تطالب عند نشأتها بالاصلاح السياسي والديمقراطية وغير ذلك فهي تنظيمات ترفض الديمقراطية والممارسة السياسية بالاساس فكيف تطالب بما ترفضه؟.
تحدث الرئيس أوباما أيضا عما وصفه بالمظالم التاريخية والاستعمار كأسباب للمعاناة في العالم الإسلامي وهذا صحيح، ولكنه تناسى بالمقابل اسرائيل والممارسات الاحتلالية وأيضا السياسات الأمريكية التي تتحمل مسؤولية كبيرة عن توفير ذريعة للانتشار الدعوات الراديكالية في الشرق الأوسط.
ربما لا يكون هذا وقتا مناسبا لتبادل اتهامات المسؤولية عن تمدد التنظيمات الارهابية خصوصا أن هناك تحد لا يستهان به من جانب تنظيمات تهدد الأمن والاستقرار الاقليمي والعالمي، ولكن مايستحق وقفة أيضا في كلمة الرئيس أوباما أنه لم يتخل عن الأجندة الأمريكية في الشرق الأوسط والقائمة على فكرة الاصلاح السياسي ودور منظمات المجتمع المدني التي هي سبب مباشر في ما تعانيه دول المنطقة من تهديدات وأخطار تطال سيادة العديد من هذه الدول ووحدة أراضيها ومستقبل شعوبها.
طالب الرئيس أوباما الدول العربية والاسلامية بالاقرار رسميا بأن الغرب لا يستهدف الإسلام، وهذا كلام ـ أي اتهام الغرب باستهداف الاسلام ـ تردده التنظيمات الارهابية وليس الدول وقادتها، والأمر يحتاج إلى تغيير السياسات الغربية في منطقة الشرق الأوسط كي يصعب على هذه التنظيمات اقناع الأجيال الجديدة بما تردده من مزاعم في هذا الشأن.
التغيير المنشود في السياسات الغربية ينبغي أن يقوم على مساعدة شعوب المنطقة وحكوماتها على مواجهة الارهاب والتطرف بشكل عملي وواقعي من خلال التعاون في مجال تطوير التعليم والاصلاح الاقتصادي وتوفير فرص العمل ودعم التشريعات بما يكفل تحقيق العدالة والحد من الفساد والبيروقراطية وغير ذلك.
ما تحتاجه الكثير من شعوب المنطقة هو فتح نوافذ للامل في المستقبل بدلا من الظلامية والاحباط وغياب الافق الذي يخيم على العديد من مناطق العالمين العربي والاسلامي بما يوفر بالتبعية فرصة ثمينة لانتشار تنظيمات التطرف لاختطاف عقول الشباب واستمالتهم عبر مزاعم واهية ومداعبة أحلامهم في الثراء والزواج والسكن وغير ذلك مما يعتبر أحلام مشروعة لملايين الشباب في مشارق العالم العربي والاسلامي ومغاربه.
لا يمكن للدول التي وقعت فريسة التطرف والتشدد أن تواجه هذا الوباء بمفردها ولا يمكن أن تكتفي الدول الكبرى بتقديم النصائح والارشادات وقدر محسوب من الأعمال العسكرية وكذلك الضغط من أجل اصلاحات سياسية مزعومة في وقت لا تجد فيه شعوب هذه الدول ماتقتات عليه واقتصاداتها تعاني شبح الافلاس والانهيار!.
لقد أدرك العالم أجمع أن نقل معركة الارهاب إلى قلب العالم الاسلامي لن يكون كفيلا بتوفير الأمن والآمان للدول المتقدمة، فساحة الارهاب شاسعة وممتدة ولا يمكن توقع مؤامراته وضرباته، وبالتالي فليس من الحكمة الاكتفاء بالحد الأدني من الاسهامات في هذه المعركة المصيرية للمجتمع الدولي.
كما لا ينبغي أيضا توظيف أي معطي استراتيجي ناجم عن الظاهرة الارهابي في تحقيق مكاسب استراتيجية تتعلق بحسابات الصراع الدولي او توازنات القوى الاقليمية والدولية، وليس من الفطنة ولا الرشادة أن تستغل بعض دول العالم التنظيمات الارهابية بشكل غير مباشر في تحقيق أهدافها الاستراتيجية سواء فيما يتعلق بتوسيع النفوذ في مناطق أو دول معينة أو الضغط على أطراف ودول أخرى، فالكل مرشح لدفع فاتورة الخطر الارهابي والجميع يتحمل تبعات انعدام الامن والاستقرار الاقليمي والعالمي.
شؤون دولية
رؤية أوباما للارهاب (2ــــ 2).
- الزيارات: 1147