اتخذت فرنسا مؤخرا قرارا مهما بإغلاق قناة "رابعة" الفضائية الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والتي كانت تبث عبر القمر الصناعي الفرنسي "يوتل سات"، في موقف يعبر عن تحول نوعي مهم في السياسة الفرنسية ليس فقط تجاه جماعة الإخوان ولكن تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث تزامن هذا الموقف مع زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند إلى الرياض ومشاركته غير المسبوقة في القمة التشاورية التي عقدتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالعاصمة السعودية مؤخرا.
المراقبون اعتبروا أن القرار الفرنسي بمنزلة صفعة على وجه الجماعة الإرهابية، وأنه خطوة حيوية في اتجاه تجفيف المنابع الإعلامية والفكرية للإرهاب الذي تنشره الجماعة عبر آلاتها الإعلامية المتنوعة، فيما اعتبر آخرون أنه خطوة في اتجاه السيطرة على موجات التحريض التي تمارس من أجل استمرار أعمال العنف والاضطرابات في الداخل المصري.
بشكل عام فإن فرنسا باتت تستشعر نوعا من الحرج بسبب ضعف موقفها في مواجهة الإرهاب الدولي رغم أنها كانت في مقدمة ضحاياه في الفترة الأخيرة، ومع ذلك فهي لم تفعل الشيء الكثير في التصدي لهذا الإرهاب، وتجفيف منابعه، حيث ظلت تتمترس في مربع التردد ومحاولة الموائمة بين مكانتها التاريخية كحامية لحرية الرأي والفكر من ناحية وبين ضرورة التصدي للإرهاب وتنظيماته من ناحية ثانية، ولذا فقد ظلت باريس تبدي نوعا من التردد والحذر في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها خشية اتهامها بالمصادرة على الحريات وفقدان مكانتها في هذا السياق، ولكن فرنسا حسمت موقفها مؤخرا واقتنعت بأن مواجهة الفكر الإرهابي وإغلاق أبواقه الإعلامية لا علاقة له بدورها الثقافي العالمي الرائد وأن ما تردده فضائيات الإرهاب وجماعاته لا علاقة لها بالحريات العامة، أو التعبير عن الرأي وغير ذلك من مبررات واهية تلتحف بها هذه الجماعات وتتذرع بها وتخدع الرأي العام الغربي الذي يبدي حذرا شديدا عند مقاربة موضوعات الحريات العامة.
لا يمكن الاقتناع بما يردده بعض المحللين بأن فرنسا لم تقدم ما يكفي على صعيد مكافحة الإرهاب، ففرنسا جزء مهم من الحملة الدولية ضد الإرهاب، حيث شاركت في العمليات العسكرية ضد الإرهاب منذ اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر 2001، وقامت بالتصدي لتنظيماته وجماعاته في مناطق شتى من العالم، وآخرها في مالي، ومن ثم لا يمكن الاقتناع بالفكرة القائلة إن فرنسا تحاول اللحاق بركب مكافحة الإرهاب من خلال إغلاق قناة "رابعة" والتصدي للنشاط الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والأرجح أن فرنسا قد بلورت موقفا تجاه جماعة الإخوان المسلمين ومن ثم فقد اتخذت قرار إغلاق القناة، الذي يتوقع ألا يكون الخطوة الأخيرة في اتجاه الموقف الفرنسي المناوئ لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية سواء في الداخل الفرنسي أو على الصعيد.
شؤون دولية
«فضائيات الإرهاب» والموقف الفرنسي
- الزيارات: 956