دور الفضائيات في الترويج للفكر الارهابي والدفاع عن تنظيمات متطرفة وعلاقة هذا الأمر بحرية الرأي والتعبير مثار جدل منذ سنوات مضت، ولم يكن قرار فرنسا مؤخرا بوقف بث قناة "رابعة" الناطقة باسم جماعة الإخوان المسلمين الارهابية المحطة الاولى في هذا السياق، حيث سبق أن أوقفت فرنسا بث تلفزيون "المنار" التابع لحزب الله اللبناني بامر قضائي صادر عن مجلس الدولة الفرنسي، بسبب "مضمون برامجها المعادي للسامية"، وكان قد سبق ذلك إدراج قناة المنار على لائحة المنظمات الارهابية الأمريكية في عام 2004.
عندما اثير الجدل حول دور الفضائيات في تأجيج الارهاب وقتذاك كان الأمر مرتبط بمصالح القوى الكبرى التي تبنت هذا الاتجاه، حيث اعتبرت الولايات المتحدة الامريكية أن قناة "المنار" تؤجج الشحن الطائفي الشيعي ضد الجنود الأمريكيين في العراق، ومن ثم فإن القناعة بدور فضائيات معينة بالترويج للإرهاب ظل مرتبط بمصالح القوى الكبرى وأهدافها، ومن هنا تأتي أهمية قرار فرنسا الأخير بوقف بث قناة "رابعة" الناطقة باسم جماعة الاخوان المسلمين في مصر، حيث يعد القرار تعبير عن تفهم فرنسي للموقف الرسمي المصري، الذي يدرج الجماعة وأدواتها كافة بما فيها الاعلامية في خانة الارهاب.
المسألة لا تتعلق بقناة أو فضائية دون اخرى، بل ترتبط ارتباطا مباشرا ووثيقا بالحرب ضد الارهاب بكافة تنظيماته وجماعاته وانتماءاتها ومرجعياتها المذهبية والطائفية والسياسية وغير ذلك، فمن الصعب الحديث عن التصدي للارهاب من دون توسيع استراتيجيات المواجهة والعلاج، وشمولية الحلول والبدائل. ومن غير الجائز القول أن هناك تبذل جديا على صعيد استئصال الفكر المتطرف والارهابي في ظل ترك فضائيات عدة تنشر هذا الفكر بدعوى حرية الرأي والتعبير!!.
اعتقد شخصيا أن تنامي دور الاعلام والانترنت في العقدين الأخيرين، يجعل من مناقشة دور الاعلام في مكافحة الارهاب قضية مطروحة بجدية وإلحاح على أجندة البحث والنقاش المؤسسي، ومن خلال المنظمات والمؤسسات الدولية، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، حيث يفترض أن تصدر المنظمة الدولية تصنيفا دوليا ملزما يحدد الفضائيات والقنوات التلفزيونية التي تمارس التحريض وتنشر الفكر المتطرف بغض النظر عن الدين والمذهب والعقيدة والعرق وغير ذلك.
صحيح أن الامم المتحدة قد أخفقت على صعيد وضع إطار قانوني أو تعريف اصطلاحي منضبط وموحد للإرهاب، ولكنها من الناحية الواقعية قد انتجت او بلورت هذا الإطار المفاهيمي، الذي يمكن ان يكون منطلقا لمكافحة مايمكن وصفه بالإرهاب الاعلامي، بمعنى إصدار تشريعات وقوانين دولية تحظر ممارسة أنشطة إعلامية ترتبط بجماعات أو تنظيمات أو دول تصنفها الأمم المتحدة في خانة الارهاب، وبحيث تستهدف هذه القوانين والتشريعات الدولية مقدمي او مزودي خدمات البث الفضائي وشركات البث والأقمار الصناعية ومختلف أطراف الصناعة ذات الصلة، بحيث تتم محاصرة متكاملة للأنشطة الاعلامية التي تروج للعنف والارهاب والفكري المتطرف.
الهدف مما سبق هو توسيع نطاق المواجهة وعدم حصر الجهد في دائرة أو نطاق جغرافي أو فكري أو أيديولوجي او سياسي محدد، كما أن الهدف يكمن أيضا في إلزام الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كافة بعدم تقديم الرعاية والتمويل والاستضافة لأي فضائيات إعلامية تنتمي إلى كيانات محظورة أو ارهابية.
على سبيل المثال، هناك فضائيات تابعة للإخوان المسلمين في تركيا وغيرها وهنا فضائيات تستضيف قيادات هذه الجماعة الارهابية في دول أخرى عدة، ومن الصعب ـ في ظل الارتباطات الأيديولوجية والفكرية التي تجمع قادة سياسيين في هذه الدول بالجماعات والتنظيمات الارهابية ـ إقناع مثل هذه الدول بالتخلي عن دورها المعادي لشعوب أخرى تنشد الأمن والاستقرار.
على خط مواز، فإن الأمر لا يقتصر على جماعة الإخوان المسلمين الارهابية فقط، فهناك فضائيات شيعية المذهب تروج للعنف والتحريض ولا تكف عن بث سمومها في آذان ملايين من المتلقين ليل نهار، وهذه النوعية من القنوات تستضيف من تصفهم بالخبراء والمتخصصين ممن يروجون للحروب والصراعات الطائفية والمذهبية، ولا يبخلون بأي جهد على صعيد إشعال نار الفتن والوقيعة والكراهية والبغضاء بين السنة والشيعة في دول عدة بمنطقة الخليج العربي، كما لا تكف عن توجيه السباب والشتائم لأمهات المؤمنين من زوجات رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والخلفاء الراشدين والسلف الصلح من بعض صحابة رسول الله وتقدم نهجهم الديني باعتباره "نهجا تكفيرياً" وتصور نفسها باعتبارها تعبير عن مدرسة آل البيت. وهناك ـ للأمانة ـ في المقابل فضائيات سلفية متشددة تكفيرية المنهج ورسالتها الإعلامية الأساسية تكاد تنحصر في تجييش العواطف والطاقات لشن حروب استئصالية ضد من تسميهم هذه الفضائيات بـ "الروافض" وتصور نفسها باعتبارها معبر عن مدرسة السنة والجماعة ، وكلا الفريقين يستعيد من ذاكرة التاريخ أسوأ مشاهدها وذكرياتها ويستحضرها ويسعى إلى استنساخ وقائعها من صراعات وسفك للدماء ونشر للفتن والقتال.
لا يمكن فصل أي فهم أو دراسة لظواهر باتت تنمو في العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية مثل الإلحاد وغيره من فكر مجتمعي مدمر بمعزل عن هذه الهرطقة الاعلامية البائسة، التي تنفر الجميع من الاسلام والمسلمين، ولا تخدم سوى التطرف بجناحيه ـ السني والشيعي ـ وتعمق مظاهر اختطاف العقل الاسلامي لمصلحة الارهاب، ومن ثم فإن الصمت هو اعتراف ضمني وإعلان بالاستسلام لهذه الممارسات الاعلامية المنفرة، التي تتطلب بالفعل تضافرا للجهود العربية والدولية على مستوى المؤسسات والدول من أجل تضييق الخناق على الارهاب ومحاصرته فكريا أيضا لا تنظيميا فقط.