كان هناك من الدلائل ما يصعب حصره علي فشل استراتيجية إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما في محاربة تنظيم «داعش» الارهابي، ورغم ذلك فقد ظلت هذه الجزئية محور جدل ونقاش عميق بين الخبراء والمتخصصين والباحثين المهتمين بهذا الملف، ومؤخرا، فوجئ الجميع بتصريحات علي لسان قائد القيادة المركزية الأمريكية، أي أعلي قائد عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، وهو الجنرال لويد اوستن، التي يقول فيها إنه لم يعد يقاتل تنظيم «الدولة الاسلامية» في سوريا من مقاتلي المعارضة السورية المسلحة الذين دربتهم الولايات المتحدة سوي اربعة أو خمسة مقاتلين فقط وقال الجنرال أوستن في حديثه أمام لجنة بمجلس الشيوخ الامريكي إن أول 54 ممن انهوا برنامج التدريب هاجمهم مسلحو تنظيم القاعدة فور دخولهم سوريا في يوليو، وقبض علي بعضهم، وقتل بعضهم الآخر، أما الباقون فتفرقوا في البلاد.
هذه التصريحات تنطوي علي أبعاد عديدة، ولكن أهمها وأخطرها علي الاطلاق هوأنها تحمل الدليل والبرهان الاحدث علي فشل استراتيجية الرئيس الأمريكي، باراك إوباما، لهزيمة تنظيم داعش.
ندرك جميعا أن تدريب المقاتلين السنة المعتدلين لمواجهة تنظيم داعش هو أحد محاور الاستراتيجية الامريكية لمواجهة تمدد هذا التنظيم في الاراضي السورية تحديدا، وندرك أيضا أن التمويل والخطط لاتعد الإشكالية الأبرز في هذا المحور ولكن الجانب الأهم هو اختيار المقاتلين بطريقة صحيحة كي لايفاجأ التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة لمحاربة داعش بأنه يواجه مقاتلين قام الجانب الأمريكي باختيارهم وتدريبهم.
المسألة إذن ليست سهلة بل تنطوي علي ما يكفي من التعقيدات الفنية والخططية والادارية، ولكن بالمقابل فان البرنامج التدريبي الذي وضعه المخططون الامريكيون كان ينطوي علي تفاؤل مبالغ فيه، فقد كان هدف هذا البرنامج الذي قدرت ميزانيته المبدئية بنحو 500 مليون دولار، تدريب نحو خمسة آلاف مقاتل سنويا علي مدي ثلاث سنوات، ولكن ما حدث في الواقع أنه تم تدريب نحو مائة مقاتل فقط طيلة الأشهر الأولي لتطبيق البرنامج وحتي الآن، ويبدو أن الجنزال لويد اوستن اراد القضاء علي هذا البرنامج بضربة واحدة حين خرج باعلان صريح يؤكد الاخفاق التام للبرنامج.
هناك أسباب لاتعد ولا تحصي لهذا الاخفاق، فالتقارير تتحدث عن انسحاب عشرات المقاتلين بعد انضمامهم الي البرنامج بسبب صراع الولاءات، وهناك وقائع تتعلق باكتشاف صغر سن مرشحين آخرين اندفعوا للانضمام طلبا للمال، بل إنه تم استبعاد البعض الآخر بسبب الاعاقات الجسدية أو فقدان اللياقة البدنية اللازمة للانخراط في عمليات قتالية ولكن ثمة أسباب اخري جدية تستحق أن يتوقف عندها الجميع، فقد رصدت تقارير عدة منذ أشهر وجهات نظر بعض المقاتلين الذين انسحبوا في برنامج التدريب الامريكي، حيث أكد بعض هؤلاء انهم انسحبوا لأن المدربين الامريكيين يريدون منهم القتال ضد داعش فقط وعدم استخدام خبراتهم القتالية الجديدة أو الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة ضد جيش بشار الأسد أو أي من وكلائه وحلفائه المتنوعين، وهم قائمة طويلة تشمل ميليشيات إيرانية الصنع مثل حزب الله اللبناني وأن هناك ما يشبه الالتزام المكتوب الذي يوقعه هؤلاء المقاتلون قبل التدريب ينص علي محاربة داعش فقط. ورغم ان هذا الاجراء يبدو ظاهريا مرهونا بتطبيق دقيق للقانون الامريكي، الذي يشترط توجيه الأموال الي البنود المخصصة لها، إذ أن الكونجرس كان قد وافق علي تمويل خطط التدريب من اجل مكافحة داعش لا من أجل مواجهة جيش بشار الأسد أو الميليشيات الايرانية، ولكن الحقيقة هي أن واشنطن نفسها لاتريد لهذه القوات مواجهة الميليشيات الايرانية بحكم تعاون الطرفين معا في العراق ضد داعش، فالبنتاجون كان يخشي بالفعل أن تلاحق القوات التي قام بتدريبها في سوريا جيش الأسد، فيكون الرد علي ذلك من نصيب القوات الأمريكية العاملة في العراق علي يد الحرس الثوري الايراني والحشد الشيعي المنتشر بكثافة في الأراضي العراقية.
عندما شهدت خطط التدريب تباطؤا ملحوظا في الفترات الأولي برر البنتاجون الامريكي ذلك بالحرص علي النوع لا الكم، وقال وزير الدفاع الأمريكية آشتون كارتر في ذلك نصا: »نحن نحاول توظيف وتحديد الاشخاص الذين يمكن الاعتماد عليهم في القتال وليس لديهم انحياز لجماعات مثل داعش، ومن ناحية أخري العمل علي تحقيق اهدافنا التي تطمح لقتال داعش. لكن يبدو أنه من الصعب جدا تحديد هؤلاء الاشخاص الذين يطابقون هذه المعايير. ويبدو ان الفشل كان متوقعا بدرجة كبيرة، حيث سبق ان اعلنت مصادر في وزارة الدفاع الامريكية ان البنتاجون لم يفقد الأمل من برامج تدريب الثوار السوريين. مضيفين أنه »لم يكن هناك اي نقص في عدد المتطوعين، ولكن المشكلة الرئيسية هي ان هؤلاء المتطوعين إما لايصلحون للقتال أو لايرغبون في خوض المعركة التي تريدها الولايات المتحدة: أي أنهم يريدون قتال الاسد وليس داعش. هذا ما توصلنا إليه اليوم: أقل من مائة متدرب في هذا البرنامج الذي كلف 500 مليون دولار«.
إذا النتيجة في جميع الأحوال، أن خطة أوباما لتدريب نحو خمسة آلاف مقاتل سنويا لتكوين معارضة سنية معتدلة هدفها استئصال تنظيم داعش قد باءت بالفشل بحسب ما تشير البراهين حتي الآن، وفي مواجهة هذا الواقع القديم الجديد تثور تساؤلات مشروعة حول مسار خطط مكافحة تنظيم داعش في المديين القريب والمتوسط، فالولايات المتحدة تتوقع استمرار هذا الصراع لمدة لاتقل عن عشر سنوات، مما يعني أن علينا ان نتوقع ما هو أكثر من ذلك في ضوء موروث التجارب المكتسب من الحرب ضد داعش في الأشهر الأخيرة، ما يعني بالتبعية أن داعش يتحول تدريجيا وبهدوء الي واقع اقليمي كارثي قد تطالب دول الاقليم بالتعاطي معه سواء بحلول عسكرية ذاتية أو بأدوات آخري سياسية ودبلوماسية.
الغموض الذي يكتنف مستقبل خطط مكافحة تنظيم داعش ينذر بأمور سيئة لم تتضح بعد، فمن غير المنطقي أن يكون هذا التباطؤ والفشل سمة اساسية للاداء الاستراتيجي الأمريكي في معالجة ملف حيوي مثل تنظيم داعش الارهابي والآن هل ينتظر العرب المتضررون من هذا التنظيم الخبيث د ليلا جديدا علي الفشل الامريكي؟
وهل يكتفون بانتظار نتائج استراتيجية لن تتحقق من وراء تخطيط امريكي ضد داعش أم يبادرون الي التنسيق مع الجانب الامريكي الذي يقود الحملة الدولية لمكافحة الارهاب من اجل التوصل الي خطط عسكرية أكثر فاعلية وجدية ودقة في مواجهة تنظيم يتمدد يوميا ولا يكف عن قضم مزيد من الاراضي السورية والعراقية يوما بعد آخر؟.