لم تتغير البنية العقائدية والتنظيمية لجماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في ظروف ملتبسة في عشرينات القرن الماضي إلى حدود هذا اليوم. الأمر فاق كل معقول في ما يتعلق بجماعة “سياسية”، فالأدبيات ذاتها في فترات هزت العالم كالحرب العالمية الثانية والحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي و”الربيع العربي”. وهذا دليل على أنها حركة مغرورة ومتكبرة وتنعت كل من يضعها في سياق النقد ويكافح إرهابها بنعوت لا تنتهي، وهي ردة الفعل المنتظرة إزاء بريطانيا التي اقتنعت أخيرا أن الإخوان حركة إرهابية.
لا توجد أوصاف لسلوك جماعة الإخوان المسلمين تجاه التقرير الصادر مؤخرا، عن الحكومة البريطانية وما سبقه وتزامن معه من انتقادات لسلوك عناصر هذه الجماعة سوى العناد والتعصب والتكبر وحب الذات، ولكن لا استغراب في ذلك من جماعة درجت منذ تأسيسها على تربية أفرادها سلوكيا على السمع والطاعة المطلقة، وبالتالي فلا مجال لإعمال أي عقل أو فكر في ما يقال، ولا فرصة لسماع أو مناقشة أي “ملاحظات” أو انتقادات حتى لو كانت من “الأقربين”.
على مدى تاريخ جماعة الإخوان الإرهابية لم تمارس هذه الجماعة أي نوع من نقد الذات، ولم تصغ إلى منتقديها ولا معارضيها وتمترست وراء “وصفات” جاهزة باتهام من يعارضها بسلسلة طويلة من الاتهامات والافتراءات ولكنها لم تقرأ جيدا ما يوجه إليها من اتهامات وما يحيط بها من براهين ودلائل تربطها بالتنظيمات الإرهابية ونضعها في خانة واحدة لا يمكن إنكارها حتى من أشد المتعاطفين ميلا للجماعة وفكرها.
آخر القراءات التي جرت لفكر جماعة الإخوان المسلمين وممارساتهم السلوكية جاءت من دولة صنفت دوما باعتبارها ملاذا آمنا لقادة الجماعة وعناصرها، حيث احتضنتهم لندن طويلا ومكثوا بها سنوات طويلة، وأثروا في كثير من جوانب الحياة فيها وتركوا بصمات على الجانب الدعوي في عاصمة الضباب ومدن بريطانيا كافة. والأمر لا يقتصر على ذلك فهناك سجل خفي تتناوله الأدبيات السياسية حول علاقات الإخوان المسلمين السرية ببريطانيا منذ تأسيس الجماعة، ولكن ذلك التاريخ المشترك مع بريطانيا لم يحرك فكر الجماعة وقادتها قيد أنملة ويدفعهم إلى إعادة النظر في ما يوجه إلى الجماعة من اتهامات مصحوبة بقرائن واضحة، وما يثار حولها من شكوك بشأن العلاقة مع تنظيمات الإرهاب ودور الجماعة في نشر الفكر المتطرف في العالم، باعتبارها المصدر الرئيسي لهذا الفكر منذ عقود طويلة مضت وقبل ظهور هذه التنظيمات والجماعات التي تربي قادتها ومعظم عناصرها في مقرات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية في مختلف الدول العربية والإسلامية.
حركة الإخوان المسلمين تمترست وراء وصفات جاهزة باتهام معارضيها بسلسلة طويلة من الافتراءات
لم يكن الإخوان المسلمون يتصورون أن بريطانيا يمكن أن تصدر تقريرا يدين فكرهم وسلوكهم، ليس لبراءة هذا الفكر من الإرهاب ولكن لأنهم راهنوا على شبكات العلاقات والمصالح، التي اعتقدوا أنها ستحول بينهم وبين أي إقرار بالماضي والواقع المشين للجماعة ودورها في ما يعانيه العالم من موجات إرهاب متلاحقة.
ولم يدرك قادة الجماعة حجم الخطر الذي بات يداهم الدول الحاضنة ذاتها ويهدد أمن واستقرار مواطنيها بما يصعب معه مواصلة التستر على موردي الفكر المتطرف إلى مجتمعات الغرب والحاضنة الرئيسية له في هذه المجتمعات، فنار الإرهاب باتت خطرا استراتيجيا حقيقيا يهدد الأمن القومي للدول الغربية، ولم يعد الصمت بديلا ولا خيارا للحكومات الغربية، ولم تعد ورقة التستر على “المحظورة” وتوظيفها سياسيا تمتلك مقومات للحياة بعد أن باتت هي ذاتها أحد مصادر تهديد الحياة في المجتمعات الحاضنة لها.
ولم تدرك جماعة الإخوان هذه المتغيرات في مجملها ولم تقرأ المشهد الدولي في السنوات الأخيرة جيدا كعادتها، فهي تتمسك بالعناد والتكبر سبيلا ومنهجاً وتترفع دوما عن النظر بقدر من العقلانية لما يقوله الآخرون. وما يؤكد ذلك، أن هذه الجماعة لم تقف ولو برهة عند محطات تاريخية تستحق دراسات متأنية، فلم تنتبه على سبيل المثال إلى أسباب رفض الشعب المصري الكاسح لها بعد أن منحها الثقة انتخابيا، ولم تقف عند دوافع هذا التغيير الجذري في المواقف والاتجاهات الشعبية في وقت زمني قصير للغاية، واستراحت إلى فكرة التآمر ضدها، رغم أنها تدرك أخطاءها جيدا فهي واضحة كالشمس في منتصف نهار صيف قائظ، ويعترف بها المتعاطفون معها وحلفاؤها الذين انفضوا عنها بعد أن تسرب الملل إليهم جراء تحجر وجمود فكر الجماعة وقادتها.
إن إشكالية جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وغيرها من الجماعات والتنظيمات التي تخلط الدين بالسياسة، هي الانغلاق والتحجر الفكري، فهي تقوم على تربية الأعضاء منذ الصغر وتدريبهم على نهج معين ينكر النقد ويرفض الإبداع الشخصي أو الفردي، لا سيما في مجال الفكر، فالمرشد العام للجماعة هو الملهم الأوحد والمعلم الأكبر، وكتب المؤسس حسن البنا ومنظر الفكر المتشدد للجماعة سيد قطب هي أمهات الكتب وتضعها في مكانة توازي القرآن الكريم وكتب السنة النبوية الشريفة. ومن ثمة فلا مجال مطلقا للتفاعل مع أي فكر يأتي من خارج حظيرة الجماعة المنغلقة على ذاتها، بل إن أي فكر “خارجي” ينظر إليه بحذر مبالغ فيه وتوجس شديد باعتباره يرمي إلى “اختراق” الجماعة وينال من “طهرها ونقائها”.
وبناء على ما سبق، ليس من المستغرب أن تواجه “الإرهابية” تقرير الحكومة البريطانية، الذي صدر مؤخرا، وربطها بالإرهاب بشكل لا يقبل الشكوك بحملة مسعورة ضد بريطانيا وبعض دول مجلس التعاون، وترديد سلسلة طويلة من الاتهامات التي سئمها الناس لكثرة تكرارها، من دون الانتقال إلى التمعن والتدبر في ممارساتها وأفكارها وسلوكياتها، ومن دون التخلص من الجمود والتحجر والتقليد الغبي الذي يوقعها في أخطاء متكررة من دون حدود.