تابعت الكثير من مقالات الرأي في الصحف والمواقع العربية خلال الأيام الماضية، ولاحظت أن هناك فرضية شبه متكررة لدى الكثيرين، وهي أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب يصنف باعتباره "عدواً للعرب والمسلمين"، وأن الرجل سيشعل حرباً ضد الإسلام والمسلمين. وتكرار مثل هذه الرؤى والتصورات كفيل بإضفاء مزيد من التعقيد والتشابك والتأزم على واقعنا العربي والإسلامي، لأن الاعلام يتعامل مع هذه الفرضيات باعتبارها مسلمات وثوابت، ويمضي في عرضها ومناقشتها، بل ويبحث عن سبل التعامل معها رغم أنها من الأساس لا تخرج عن نطاق الرأي القابل للخطأ والصواب.
فكرة استهداف الرئيس الأميركي الجديد لدولنا وشعوبنا العربية ليست دقيقة بالمرة من واقع قراءتي ومتابعتي الدقيقة لتصريحاته ومواقفه جميعها، فترامب لديه خط سياسي مغاير لكل من سبقوه، وهذا الحال ينطبق على موقفه حيال الدول العربية وقضاياها كما ينطبق على قضايا دولية أخرى، بل وقضايا داخلية أميركية، ويكفي الإشارة إلى أن القرار الأول الذي وقعه الرئيس ترامب يتعلق بتعديلات في البرنامج الصحي المعروف "أوباما ـ كير"، أي أن الرجل يمتلك أفكار جديدة ولا أقول جيدة، وله رؤية قد تكون صائبة وقد تكون خاطئة شأنه شأن أي قادم جديد للبيت الأبيض، ولكنه يختلف بسماته الشعبوية اللاذعة.
الواضح أن نهج ترامب يثير حفيظة الكثيرين في الداخل الأميركي والعالم أجمع، ويكفي أنه نفى في أول خطاب له الوطنية عن كل الرؤساء الأميركيين الذين سبقوه، واتهمهم علناً بأنهم لم يعملوا لمصلحة الشعب الأميركي، وبالتالي ليس علينا أن نشعر كعرب أنه جاء ليستهدفنا نحن تحديداً، فهو يثير الجدل والخلاف والزوابع في الداخل الأميركي قبل أن نسمع عنه كعرب، وقبل أن ننصت إلى خطبه ونقرأ تغريداته بعد ترشحه رسمياً لانتخابات الرئاسة الأميركية، بل إنني أرى أن شعور دول مثل الصين بل وحلفاء أطلسيين مثل ألمانيا بالقلق تجاهه يفوقنا بمراحل. وفي مجمل الأحوال علينا أن نفهم أن العالم قد تغير بمجيء ترامب، وأن هناك شيء ما بات مختلفاً.
النقطة التي اود التركيز عليها هنا، أن علينا كعرب ألا نفهم أن ترامب معاد لنا، فالرجل يحمل أجندة مختلفة تجاه العالم اجمع، ويخاطب ناخبوه من الشعب الأميركي ولا يخاطبنا نحن بالأساس، وعلينا أن نقرا خطابه الرئاسي الأول بإمعان ودقة، فليس فيه ما هو موجه إلينا كعرب تحديداً، بل هناك لغة قوية وصريحة ومباشرة وتركيز هائل على ما يعتقد انه يضمن مصالح الشعب الأميركي، وهنا أرى أن مخاوف أوروبا تجاه ترامب تفوق بمراحل مخاوفنا في المنطقة، فترامب يتحدث باستخفاف شديد عن حلف "الناتو" ويكاد يرفع غطاء الحماية الأميركية عن الشركاء الأوروبيين ويتركهم فريسة لروسيا، وهذا بالفعل ما عكسته ردود الأفعال الألمانية تحديداً. فترامب يرى أن قضية أوكرانيا قضية أوروبية بالأساس، وعلى الولايات المتحدة عدم التضحية بعلاقاتها مع روسيا من أجل هذه القضية! علينا أيضاً ان نتوقع تدخلاً أميركياً أكثر خشونة وصرامة ضد الإرهاب، وهذا أمر لا يزعجنا، ولكن علينا ان نطالب بمشاركة فعلية في ضرب "داعش" بالجنود والعتاد والأموال، ومن ثم علينا كعرب المبادرة ببناء مواقف أكثر شدة وحزماً ضد الإرهاب وتنظيماته، وعلينا أن نتوقع مواقف أميركية مغايرة تجاه إيران ولكنها ليست بالضرورة المواقف التي نتمناها في منطقة الخليج العربي، بل يمكن أن يتوصلا إلى تفاهمات وصفقات، فالرجل يؤمن بهذا المنطق، والملالي لديهم من حنكة "التجارة" و"دبلوماسية السجاد" ما يستطيعون من خلاله المساومة على الكثير من أفكار ترامب التجارية البحتة.
ستختفي أفكار الديمقراطية عن الخطاب السياسي الأميركي خلال السنوات المقبلة، ويحل بدلا منها معيار المصالح الأميركية، وهذا الأمر قد يفرح البعض، ويغضب آخرون، ولكنه في مجمل الأحوال ربما يسهم في وقوع اضطرابات بدول عربية عدة، ولكن علينا أن نتوقع ابتعاد الولايات المتحدة عن أي تدخل عسكري مباشر في هذه الدول، طالما أن إسرائيل بعيدة عن دائرة التأثر بما يدور من حولها. والأهم مما سبق كله أن علينا، كعرب أيضاً أن نتوقع بروز نظام إقليمي جديد، فترامب لن يستهدف الرئيس الأسد، وسيكون منفتحاً على صفقة ما حول سوريا مع روسيا، ونظرته للعراق لم تكون قائمة سوى على منطق التجارة والنفط والمصالح، ماذا ستأخذ إيران وماذا ستأخذ الولايات المتحدة، بغض النظر عن أي حسابات مذهبية أو عرقية أو دينية!