بعد أن نجحت تنظيمات الإرهاب في إثارة خوف وقلق عدد كبير من الدول الغربية حيال الإسلام والمسلمين، تتجه الآن شرقًا نحو الصين تحديدًا، حيث وجه تنظيم "داعش" الإرهابي مؤخرًا تهديدًا غير مسبوق إلى الصين بـ"سفك الدماء كالأنهار"، بحسب شريط فيديو تداولته تقارير إعلامية.
التهديد ورد على لسان عناصر "داعشية" تزعم أنها تنتمي إلى أقلية "الأيغور" الصينية المسلمة، وفي هذا الفيديو، يهدد مسلح يحمل سكينًا الصين، قبل أن يذبح رجلًا اتهمه بأنه مخبر، قائلا "أيها الصينيون الذين لا يفهمون لسان الناس. نحن جنود الخلافة وسنأتي إليكم لنوضح لكم بلسان السلاح لنسفك الدماء كالأنهار ثأرًا للمسلمين".
السلطات الصينية أشارت سابقًا إلى وجود نحو 100 عنصر من "الأيغور" غادروا البلاد سعيًا وراء الحصول على تدريبات مع المتطرفين في سورية ليعودوا بعد ذلك للقتال من أجل الحصول على الاستقلال في "شينجيانغ"، الصيني.
هذه الدعوات التي تبدو للبعض محدودة الأثر والتأثير في غاية الخطورة، وربما تزج بالإسلام والمسلمين في أتون صراعات دولية لا ناقة لهم فيها ولا جمل، فالصين دولة تمتلك علاقات قوية مع العالم العربي والإسلامي، ولا مصلحة مطلقًا لهذه الدول في إثارة أي توترات مع هذا القطب العالمي الصاعد، ولكن مثل هذه الدعوات ربما تدفع الصين إلى الانضمام لبعض التيارات الغربية، التي تنادي بمحاصرة المسلمين!
صحيح أن الصين تتبنى رؤية مغايرة للغرب في العلاقة مع الإسلام والمسلمين، وليس لديها تيارات يمينية متطرفة، مثل ما هو قائم في دول غربية عدة يرفع بعض ساساتها شعارات عنصرية معادية للمسلمين، ولكن تنظيمات الإرهاب تسعى إلى إشعال نار الوقيعة مع الصين، وتحرض مسلميها وتهدد بسفك الدماء أنهارًا كما تقول في تهديداتها، في استدعاء بغيض لحروب وصراعات قديمة.
قد يعتقد البعض أن مثل هذه التهديدات سواء ضد الصين أو غيرها محدودة التأثير، ولكن التجربة علمتنا ألا نستهين بخطر الإرهاب مهما كان محدودًا، فتعرض دولة صديقة مثل الصيني لاعتداء إرهابي -لا قدر الله- كفيل ببناء تحالف دولي جديد قد يضع منطقتنا العربية والإسلامية تحت ضغط متزايد، ويحقق نبوءات شريرة تدفع نحو وضع الإسلام في حالة صراع مع الحضارات والثقافات الأخرى.
التاريخ يقول إن الإسلام انتشر شرقًا وغربًا، وازدهر في حقب تاريخية سابقة من دون "داعش" وغيرها من هؤلاء المهووسين، بل بالتجارة تارة، وبالفتوحات التي كانت تمضي وفق مبادئ وقيم إسلامية نبيلة تارة أخرى، ولم نسمع عن تنظيم تقوده عصابة من الجهلاء نجح في تخليص المسلمين من معاناة أو أزمات، ولكن التاريخ يعج بالكثير من هذه العصابات والفرق الضالة، التي نجحت في أحيان كثيرة في اختطاف الدين والسيطرة على مناطق وقطع من أراضي الإسلام، ولكنها لم تعمر في الأرض لأنها تمضي على خلاف صحيح الدين والعقيدة، وسرعان ما كان الجسد الإسلامي يتخلص منها ويطهر نفسه ذاتيًا منها.
والإسلام والمسلمون أحوج ما يكون في المرحلة الراهنة إلى اللحاق بركب التقدم واستئناف حضارتهم كما يطالب حكمائهم وقادتهم، وفي مقدمتهم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة حاكم دبي -رعاه الله- وليسوا بحاجة مطلقًا إلى افتعال معارك جديدة شرقًا وغربًا، فملايين الشباب العربي والمسلم يعانون البطالة والفقر وتدهور التعليم وعدم وجود أفق واضحة للمستقبل، وبالتالي فمن غير المنطقي أبدًا أن تترك تنظيمات الإرهاب لتؤجج مشاعر هؤلاء وتستقطبهم في صراعات وهمية لا هدف من ورائها سوى إرضاء شهوة هؤلاء الجهلاء في سفك الدماء والتربح والزعامة الفارغة!.
لو خلت الأمور من مؤامرات القوى التوسعية، مثل إيران وغيرها، فإن أصحاب المصلحة الأساسيون في استئصال شأفة تنظيم "داعش" البغيض من أراضي العراق وسوريا وتطهيرها تمامًا من هذا الإجرام، هي الدول العربية والإسلامية، التي نالها ما نالها من هؤلاء المجرمون، الذين يعيثون في الأرض فسادًا باسم الإسلام وبزعم الدفاع عن المسلمين.
"داعش" ليس سوى "مخلب قط" ورأس حربة المؤامراة، التي توظفها دول لها مطامع تاريخية وأخرى آنية في المنطقة، فليس من المنطقي أن يصدق عاقل أن تنظيمًا يضم بضعة آلاف من المجرمين يصمد كل هذه السنوات في مواجهة أعتى جيوش العالم، بقواتها الجوية فائقة التطور وأساطيل وترسانات الطائرات من دون طيار، التي تستطيع التقاط ذبابة وسط أكوام من القمامة!!
وليس لدي شك في وجود نوع من "التوافق" أو التفاهم الضمني على بقاء "داعش" حتى تتحقق أركان المؤامرة سواء بتقسيم سوريا أو تقاسم العراق، أو تكريس أي صيغ مصالح استراتيجية للأطراف ذات الصلة، ولكن ليس من مصلحتنا كعرب ومسلمين البقاء في موقف المتفرج على هذا المشهد العبثي المستمر، ومن ثم فإن الدفع باتجاه استئصال شأفة تنظيمات الإرهاب كافة من كل الدول العربية والإسلامية هو خيار حتمي لنا جميعًا، فهؤلاء العملاء هم رأس حربة المؤامرات والتدخلات الخارجية!.